أول مهرجان من نوعه ينطلق اليوم: جبيل مدينة مفتوحة للمسرح!
تستعد مدينة جبيل هذا العام لحدث ثقافي جديد، إذ تطلق جمعية «مسرح الغد»، بالتعاون مع بلدية جبيل، النسخة الأولى من مهرجان «صدى المسرح»، من 18 إلى 21 أيلول (سبتمبر) الحالي.

تستعد مدينة جبيل هذا العام لحدث ثقافي جديد، إذ تطلق جمعية «مسرح الغد»، بالتعاون مع بلدية جبيل، النسخة الأولى من مهرجان «صدى المسرح»، من 18 إلى 21 أيلول (سبتمبر) الحالي. يأتي المهرجان بدعم من مؤسسات رسمية وخاصة، ولا يقتصر على كونه سلسلة عروض مسرحية، بل يطمح إلى أن يشكّل مساحة لقاء وتواصل بين الجمهور والفنانين، وأن يفتح أفقاً جديداً أمام المسرح اللبناني في المدينة.
موقع استثنائي يروي ذاكرة المكان
اختار المنظمون للمهرجان موقعاً يحمل دلالات رمزية وحساسية جمالية فريدة: معمل الحرير القديم التابع لميتم الأرمن («ميتم الأرمن عش العصافير») في جبيل.
هذا المبنى التاريخي الذي خضع أخيراً لعملية ترميم واسعة، يطل مباشرة على البحر، ليمنح العروض إطاراً شاعرياً يجمع بين عبق الماضي وحيوية الحاضر.
فالمكان لا يقدّم نفسه كخشبة عرض فحسب، بل كذاكرة حيّة تروي حكايات مدينة تحاكي البحر والتاريخ معاً. يتضمن المهرجان أربعة عروض مسرحية، وهي: «شو منلبس؟» للمخرج يحيى جابر، و«الأمير المجنون»، وهي اقتباس حر عن إحدى كلاسيكيات شكسبير، والعرض الموسيقي Paradisco الذي يجمع بين الموسيقى والدراما، و«شو صار بكفر منخار؟»، مسرح دمى مخصص للأطفال والعائلات، يتناول قضايا بيئية تربوية بلغة مبسّطة وشيّقة.
من حلم مؤجل إلى حقيقة
تقول نجوى باسيل، مديرة الجمعية، في حديث معنا إنّ الفكرة كانت تراودها منذ عشر سنوات: «جبيل يجب أن تكون فضاء مفتوحاً للمسرح كما سائر المدن، على أن يضم المهرجان أنماطاً مختلفة مثل الحكواتي والإيماء ومسرح الأطفال». لكنّ الظروف السياسية والاقتصادية في البلاد، من انتفاضة 2019 إلى الأزمات المالية والحرب، حالت دون انطلاق المشروع. اليوم، ومع تأسيس جمعية «مسرح الغد» في كانون الثاني (يناير) 2023، وجد الفريق أن اللحظة حانت لترجمة الحلم إلى واقع.
لامركزية ثقافية تعيد الحياة إلى المناطق
دائماً ما شكّلت بيروت المركز الرئيسي للأنشطة الثقافية في لبنان، ما فرض على سكان المناطق، وبينهم أبناء جبيل، قطع مسافات طويلة لحضور عرض مسرحي أو نشاط فني تقول باسيل، ورغم إمكانية النزول إلى العاصمة بين فترة وأخرى، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى تنشيط الحياة الثقافية في المدن والبلدات.
من هنا يأتي مهرجان «صدى المسرح» ليسدّ فجوة قائمة، ويقدّم لجبيل وأهلها مساحة ثقافية منتظمة تعيد الاعتبار إلى فكرة اللامركزية الثقافية، وتثبت أنّ المسرح ليس حكراً على العاصمة.
رؤية طويلة الأمد
لا يتوقف المشروع عند أربعة أيام من العروض، بل يحمل رؤية أبعد. فالجمعية تسعى إلى جعل المهرجان موعداً سنوياً ثابتاً، يتحوّل خلاله المسرح إلى لغة مشتركة. تعدد باسيل أهداف المهرجان على المدى الطويل، من تدريب جيل جديد من الممثلين والعاملين في المسرح عبر ورش متخصصة في الإلقاء، الإيماء، مسرح الدمى، وغيرها، وإطلاق جائزة سنوية تكرّم المهن المسرحية وتسلّط الضوء على إبداعاتها.
إضافةً إلى إعطاء الأولوية للعروض الأولى في جبيل، إذ تنطلق الأعمال من المدينة بدل أن تقتصر على بيروت. وفتح المجال أمام طلاب الجامعات للتقدّم بعروض يتنافسون عبرها أمام لجنة تحكيم، بما يعزز المواهب الناشئة ويدمجها في الحياة المسرحية. وخلق تعاون دولي مع مهرجانات مسرحية خارج لبنان، وصولاً إلى إنتاج أعمالٍ مسرحية.
وقد أبدى سكان جبيل حماسة كبيرة لاستقبال المهرجان وفق باسيل، بعدما طال انتظارهم لحركة ثقافية جديدة تضيف إلى المدينة زخماً راقياً. ولضمان حضور واسع، حُددت أسعار البطاقات بمبالغ مقبولة تراعي الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما يجعل المهرجان متاحاً أمام أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.
المسرح كأداة للتغيير
منذ تأسيسها، عرّفت جمعية «مسرح الغد» نفسها بأنها تؤمن بالمسرح كأداة للتعبير والتواصل والتغيير الاجتماعي. وهذا ما يفسّر الخيارات الفنية والبرامج الموازية التي ترافق المهرجان، من العروض المتنوعة إلى الورش التدريبية، بما يحوّل المسرح من مجرّد ترف ثقافي إلى مساحة حوار حقيقية حول قضايا المجتمع وهمومه.
بهذا المعنى، لا يُعتبر «صدى المسرح» مجرّد مهرجان مسرحي جديد، بل خطوة في مسار أوسع يعيد المسرح إلى دوره الريادي في حياة اللبنانيين. فجبيل، التي حملت عبر تاريخها بصمةً ثقافية فريدة، تعود اليوم لتكتب فصلاً جديداً، حيث يلتقي البحر بالتاريخ والمسرح بالجمهور، لتتحول المدينة إلى خشبة مفتوحة تحتضن أحلام الفنانين وأسئلة الناس.
غادة حداد



