
في اليوم التالي لعرض «البؤساء» الأول في مسرح باربيكان بلندن قبل أربعين عاماً، اجتمع فريق العمل الإبداعي للاحتفال بأول ظهور ناجح للمسرحية. لكن سرعان ما تحول الاحتفال إلى مناسبة محزنة، كما يتذكر جون كايرد، الذي أخرج العمل مع تريفور نان.
وبينما كان الحضور يطالعون صحف ذلك اليوم، اتضح أن المسرحية الموسيقية لم تحظَ بقبول نقاد المسرح البريطانيين.
وصفتها صحيفة «إيفنينغ ستاندارد» بأنها «أوبرا كئيبة» تناسب العصر الفيكتوري أكثر من بريطانيا في ثمانينات القرن الماضي.
وأعربت صحيفة «ديلي ميل» عن أسفها لأن كايرد ونان حوّلا «موجة المشاعر العارمة» في رواية فيكتور هوغو إلى «موجات من المشاعر الرخيصة». ومما زاد من الضغط، أن كاميرون ماكنتوش، المنتج الرئيس للمسرحية، لم يكن أمامه سوى 48 ساعة ليقرر ما إذا كان سيدفع ثمن نقلها إلى حي المسارح في لندن (ويست إند). وإلا اختفت المسرحية الموسيقية بعد أسابيع قليلة من انتهاء عرضها في باربيكان. ولحسن حظ الفريق، لم يكن للنقاد الكلمة الفصل.
يتذكر كايرد في مقابلة أجريت معه مؤخراً في منزله بحي هايغيت بلندن: «كانت السمعة الطيبة التي أحاطت بالعرض مذهلة». اضطر الباربيكان إلى توسيع فريق شباك التذاكر بسرعة للرد على مكالمات رواد المسرح الباحثين عن تذاكر. قال كايرد: «استمر القلق يومين أو ثلاثة. ثم اتضح أن هذا الأمر لا يمكن إيقافه». اليوم، تُعتبر مسرحية «البؤساء» -قصة جان فالجان، السجين السابق، الذي يُطارده جافير، ضابط الشرطة عديم الرحمة، بلا هوادة- رمزاً للمسرح الموسيقي. عُرضت لأكثر من 15500 عرض في لندن، وهي عنصر أساسي في برامج المسرح المدرسي في الولايات المتحدة. كما تُرجمت إلى 22 لغة، وعُرضت في 53 دولة. ومن المقرر افتتاح عروضها الشهر المقبل في مدريد، وشنغهاي.
كانت فكرة تحويل رواية فيكتور هوغو الشاملة، المؤلفة من 1400 صفحة، والتي تتناول الفقر والاضطرابات الاجتماعية في فرنسا في القرن التاسع عشر، إلى مسرحية موسيقية في الواقع من ابتكار فرنسيين -الملحن كلود ميشيل شونبيرغ والشاعر آلان بوبليل- اللذين استلهما من المسرحيات البريطانية والأميركية، وأبدعا مسرحية «البؤساء» عام 1980، وقدّماها على خشبة المسرح في باريس. بعد نحو ثلاث سنوات، استمع ماكنتوش إلى تسجيل صوتي لطاقم التمثيل، فانبهر بالموسيقى، فقرر نقلها إلى لندن. وبالمثل، تذكر كايرد أنه «أُسر تماماً بالطابع المسرحي والعاطفي» للأغاني، وخاصةً لأغنيتي «On My Own» و«I Dreamed a Dream».

مع ذلك، قال كايرد إن الفريق الإبداعي أدرك أن المسرحية الموسيقية الفرنسية بحاجة إلى إعادة صياغة شاملة: لم تكن أكثر من مجرد «سلسلة من اللوحات»، وتتطلب من الجمهور فهم كتاب هوغو من الداخل والخارج. لذا، سرعان ما بدأ كايرد ونون وشونبرغ وبوبليل، إلى جانب الشاعر جيمس فينتون، في قراءة كتاب هوغو الضخم، ومحاولة إيجاد هيكل جديد، وقرروا في النهاية افتتاح المسرحية الموسيقية بمشهد يسرق فيه جان فالجان شمعدانات فضية من أسقف، ليغفر له الأسقف. وفجأة، قال كايرد إن دوافع الشخصية أصبحت واضحة: فالجان يؤمن بفكرة الغفران في العهد الجديد، بينما التزم جافير، مطارده، بصيغة عدالة أكثر صرامة في العهد القديم. كان التقدم بطيئاً في البداية. استغرق فينتون، الساعي للكمال، وقتاً طويلاً في كتابة نص المسرحية الموسيقية، مما اضطر ماكنتوش لتأجيل الافتتاح المخطط له لمدة عام، وفقاً لكتاب إدوارد بير «الكتاب الكامل لمسرحية البؤساء». في النهاية، تولى هربرت كريتزمر، كاتب نص المسرحية الموسيقية والناقد في صحيفة «ديلي ميل»، المهمة. قال كايرد إن الفريق دأب على تغيير النص الموسيقي أثناء التدريبات. في أحد أيام الجمعة قبل أسابيع قليلة من الافتتاح، على سبيل المثال، قرروا أن الممثل كولم ويلكنسون، الذي جسد شخصية فالجان في الأصل، بحاجة إلى أغنية حماسية «لتطلق العنان لصوته». في يوم الاثنين التالي، عزف شونبيرغ للجميع لحن «أعيدوه إلى المنزل» اللطيف، إحدى أكثر أغاني المسرحية الموسيقية شعبية. حتى التغييرات الصغيرة كانت حاسمة. خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً في منزله الكبير -والتي قال فيها كايرد إن نجاح المسرحية الموسيقية مكنه من ذلك- قام بتصفح صناديق ملاحظاته التدريبية. أشار إلى أن أشهر أغنية في المسرحية الموسيقية كانت قد استُهلت بـ«هل تسمعون الناس يغنون/ يغنون أغنية عامة الناس». أثناء التدريبات، غيّر كريتزمر كلمات الأغنية إلى «أغنية رجال غاضبين».
بحلول العرض الأول، تذكر كايرد أن جميع المشاركين اعتقدوا أن لديهم شيئاً مميزاً، لذا كان اختلاف آراء النقاد بمثابة صدمة. كانت لين غاردنر، من أقدم نقاد المسرح البريطانيين، من بين الذين انتقدوا المسرحية في البداية، حيث كتبت في مجلة «سيتي ليميتس» أن المسرحية الموسيقية «هراء عاطفي عتيق». في مقابلة حديثة، قالت غاردنر إن هناك «الكثير من التعالي» حول العرض الأصلي، نظراً لكونه إنتاجاً مشتركاً لفرقة شكسبير الملكية، وكان العديد من النقاد يعتقدون أن الفرقة الموقرة لا ينبغي أن تشارك في المسرحيات الموسيقية في ويست إند. قالت غاردنر إنها متمسكة بتقييمها الأصلي، لكنها أدركت الآن أن عرض «البؤساء» يتمتع بسحر كبير. وقالت: «إنه يفعل ما تفعله جميع المسرحيات الموسيقية العظيمة: إنه يجعلك تشعر»، مضيفة: «لا يجعلك تفكر كثيراً».
بالإضافة إلى جاذبية الأغاني وعاطفتها الجريئة، فإن جزءاً من جاذبية مسرحية «البؤساء» يكمن في دلالاتها السياسية، مع مشاهد طلاب يحاولون الإطاحة بالحكومة الفرنسية. في السنوات الأخيرة، غنى المتظاهرون في أماكن مثل هونغ كونغ وفنزويلا: «هل تسمعون الشعب يغني؟». قال دان فينك، المنتج الذي ساهم في إنتاج لوس أنجليس الأصلي لمسرحية «البؤساء»، إنه يعتقد أن رسالة المسرحية الموسيقية المتمثلة في «النضال من أجل ما تؤمن به» لامست وتراً حساساً لدى الجمهور. وتذكر ليلةً في يونيو (حزيران) 1989 عندما شاهد الممثلون، خلف الكواليس خلال الاستراحة، تغطيةً إخباريةً تلفزيونيةً مباشرة للدبابات وهي تقتحم ميدان تيانانمن في بكين بينما كانت الحكومة الصينية تحاول وقف المظاهرات المناهضة للحكومة بقيادة الطلاب. ويتذكر فينك أن تلك اللقطات بدت وكأنها تعكس قصة المسرحية الموسيقية، وسرعان ما صعد على خشبة المسرح، متسلقاً حاجزاً حاملاً علماً في يده. يتذكر فينك: «واصلنا العمل، وشعرنا بالحاجة إلى التنفيس عن غضبنا إزاء ما يحدث لهؤلاء الناس في الصين. كنا نغني لتمكينهم». وأضاف: «لم أستمتع بليلة أكثر حماساً في المسرح من هذه الليلة». وقال كايرد إن الدلالات السياسية للقصة كانت واضحة للفريق الإبداعي، لكن في رأيه، يعود نجاح المسرحية الموسيقية إلى عالمية الشخصيات: أشخاص يكافحون ضد الظلم وعقباتهم الشخصية. وقال: «في أعماقهم يشعر الكثير من الجمهور بنفس الشعور بالقدر أو المصير تجاه رحلات حياتهم». وأضاف كايرد: «لهذا السبب تحديداً استمرت مسرحية (البؤساء) 40 عاماً»، مضيفاً: «لن تزول أبداً، أليس كذلك؟».
أليكس مارشال