«الصرخة» تجربة سيكودرامية من تطوان .. تحول الخشبة إلى فضاء لعلاج الإدمان والإبداع إلى مرآة للوجع الإنساني

في أمسية فنية مشبعة بالوجدان والوعي، احتضن المركز الثقافي بتطوان، يوم الأحد 28 شتنبر 2025، عرضا مسرحيا استثنائيا بعنوان «الصرخة»، أبدعته «جمعية التعايش للثقافة والفن» لتقدم للجمهور تجربة غير مألوفة تجمع بين الدراما النفسية والعلاج المسرحي، في محاولة جريئة لتفكيك مأساة الإدمان، والتأمل في آثارها النفسية والاجتماعية، لم يكن العرض مجرد عمل فني يروى على الخشبة، بل كان أشبه برحلة تطهير جماعي، حيث تحولت الخشبة إلى مختبر للوجع الإنساني، ومجال للتفكير في إمكانية الخلاص من دوامة الألم والتيه.
بأسلوب السيكو دراما، ذلك الفن الذي يجمع بين التمثيل والتحليل النفسي، نقل المخرج خليل كطناوي وفريقه المسرحي الجمهور إلى عوالم داخلية موغلة في القلق والتوجس، حيث يقف الإنسان عاريا أمام أسئلته الوجودية، وصراعه مع ذاته ومع المجتمع، أدوار الممثلين السبعة تماهت مع الفكرة العامة، وبدت كأنها امتداد لتجارب واقعية نابضة بالوجع، جسدت شخصيات ممزقة بين عقد أوديب والكترا وصراع الأخوين، في فضاء درامي يختزل رحلة التدمير الذاتي ومحاولات النجاة.
وصلة بالموضوع، لم يفت الفاعل المسرحي عزيز حديم، رئيس جمعية «فرقة نجوم الأوبرا»، أن يرى في هذا العمل خطوة رائدة على مستوى المسرح العلاجي بالمغرب، واعتبره أول تجربة تترجم المسرح إلى وسيلة علاج نفسي جماعي، داعيا إلى الاستثمار في هذه الفئة المهمشة ثقافيا، واستثمار طاقاتها الإبداعية في صناعة الأمل، بالنسبة إليه، «الصرخة» ليست عرضا مسرحيا فحسب، بل هي مشروع إنساني يجب أن يتحول إلى مرجع عربي في فن السيكو دراما.
العمل الذي دعمته جمعيات محلية مثل rdr تطوان ومنتدى جمعيات مارتيل، وواكبه المركز المغربي للإبداع والمداولة الاجتماعية، جاء تتويجا لمسار طويل من العمل التكويني ضمن برنامج «تطهير» الذي أطلقته جمعية التعايش، وجمع بين الفن والعلاج، وبين التجريب المسرحي والتأطير الاجتماعي، وقد لهذا البرنامج أن احتضن لقاء مفتوحا يوم 15 شتنبر 2025 مع الفنان محمد سعيد العلوي تحت عنوان «من الإدمان إلى الإبداع… بالفن أروي قصتي»، وهو لقاء أدارت فصوله الشاعرة والفنانة سعيدة أملال.
الكلمة الافتتاحية التي قدمها المخرج خليل كطناوي خلال اللقاء عبرت عن رؤية جمعية التعايش في جعل الفن وسيلة لإعادة بناء الإنسان، مؤكدا أن مشروع المسرح العلاجي ليس ترفًا فنيا، بل ضرورة مجتمعية تعيد الاعتبار للإنسان الذي يعاني بصمت، وقد تميز اللقاء بحضور شخصيات فكرية ومؤسساتية من مندوبية وزارة الثقافة، وجمعية الوقاية من أضرار المخدرات، وجامعيين وفاعلين ميدانيين، اتفقوا جميعا على أهمية التنسيق المستقبلي بين مختلف الفاعلين لإعطاء هذا النموذج بعدا وطنيا يمكن أن تستفيد منه مراكز علاج الإدمان بالمغرب.
في نهاية الأمسية المسرحية، خرج الجمهور من القاعة محملا بجرعات من التشخيص والتأمل، وكأن العرض كان مرآة تُعيد للوجدان صفاءه، وللفن معناه العميق، حيث استطاع عرض «الصرخة» أن يجسد الصراع بين الانكسار والإرادة، بين العتمة والنور، وأن يثبت أن المسرح لا يزال قادرا على أن يكون فضاء للشفاء، ومتنفسا للجماعة في مواجهة أوجاعها، وبذلك لم تكن «الصرخة» مجرد «صرخة في واد»، بل نداء إنسانيا صادقًا يذكرنا بأن الفن في جوهره فعل مقاومة للمعاناة، وتعبير عن رغبة دائمة في الحياة.
أحمد بيضي – الاتحاد الاشتراكي


