مسرحية النورس للكاتب الروسى الكبير أنطون تشيكوف قدمها فريق التمثيل بالجامعة الأمريكية على مسرح الفلكى برؤية عصرية وتمصير صاغته نور قبطان بعنوان «بين الميه والهوا» وأخرجته د. دينا أمين لتكتشف من خلاله طاقات إبداعية عديدة فى التمثيل والغناء وسائر تفاصيل العمل الفني، والتعامل مع أدب تشيكوف أمر بالغ الصعوبة لأنه يحمل غالبا رموزا ورسائل ما بين السطور تحتاج إلى فهم عميق وغموضها جزء من متعتها..
كما أن شخصيات تشيكوف الحزينة والبائسة لا تكشف عن مأساتها من البداية وإنما تتضح الصورة مع تواصل القراءة، تماما كقطع الليجو التى تحتاج الى تركيز وصبر فى تجميعها لتكتشف حقيقة الصورة ودوافع المأساة، وجميع الشخصيات فى عرض «بين الميه والهوا» تعانى أزمات عاطفية وعلاقات متشابكة تدعو للرثاء وهم أشبه بطيور النورس المهاجرة على شاطئ البحر والتى ترتحل بحثا عن الدفء والسكينة، فلا تجد أحيانا إلا غدر الصيادين وجراحا غائرة تؤدى إلى الموت..
لعب حسين شبانة دور كريم الشاب الباحث عن ذاته فى الكتابة للمسرح ويعانى عدم التحقق، كما تسبب له والدته الممثلة المتصابية عقدة نفسية بعد زواجها بكاتب شاب من نفس عمره وإن كان يعرف طريقه للنجاح السهل ودغدغة مشاعر الجماهير بموضوعات سطحية ومكررة.. ونجح حسين شبانة فى تجسيد شخصية المهزوز نفسيا إلى حد كبير، ولعبت سهير العوضى دور والدة كريم الممثلة الساعية للنجاح دون اهتمام بالقيمة والتى تسيطر على زوجها رامى وتكسب ود الجميع بمشاعر سطحية زائفة حتى مع ابنها الوحيد..
ولعبت مريم أشرف زكى دور «نينا» الفتاة الحالمة بالشهرة والتى يتصارع بداخلها طموحها الجارف نحو النجاح والشهرة والفوز بالحب وبين تغليبها للقيمة وإيمانها برسالة الفن وتعلقها بالحياة البسيطة.. وقدم يوسف شريف دور رامى الكاتب الناجح المرموق والذى تتعلق به النساء ويريد أن يحتفظ بكل المكاسب دون أن يضحى بشيء..
وأدى محمود النصراوى دور معتز المريض المحكوم عليه بالموت والذى يفضل الحرمان من الحب على نظرات الشفقة، ولعبت مارى عطية دور بدرية ممرضة معتز ووالدة كاندى الفتاة الفقيرة التى تحب كريم دون أن يشعر بوجودها.. وهو الدور الذى ادته مريم ايوب بإحساس مرهف، وتألق كذلك مينا الصاوى فى شخصية فريدى خفيف الظل صديق معتز..
واستطاعت المخرجة تخفيف الجانب القاتم لفصول المسرحية بأجزاء موحية من اغانى فيروز منحت العرض أجواء شاعرية رقيقة مبطنة بالشجن.. وكأنما هناك علاقة قوية عجيبة بين أدب تشيكوف وغناء فيروز.
محمد بهجت – بوابة الأهرام