حراك ثقافي جمالي في الفجيرة

تأخذ مسارك إلى الفجيرة عن طريق الذيد، مروراً بمسافي، ثم إلى الجبال والبحر، وسوف تعتاد هذه الرحلة من وقت إلى آخر في الشتاء بواسطة حافلات نقل الركاب، الأمر الذي يتيح لك رؤية الجبال كما لو أنك طائر بينها.
هذه امتدادات جبلية صخرية لا يعرف هندسة التناغم التشكيلي فيما بينها سوى رسّام، أو شاعر، أو نحّات، أما الروائي فيلزمه وقت كثير ليقرأ تاريخ الجبال، وقوّة الأرواح الماثلة في حجارتها وأوديتها المهيبة المنحدرة بالماء والأشجار.
ما من ذهاب إلى الفجيرة إلّا وأنت على موعد مع الشعر أو الفلسفة، أو مسرح المونودراما، أو فن الأوركسترا، أو فن بلاغة الصمت الذي تجيده الجبال، أو فن الغناء الذي يجيده البحر.
حيوية ثقافية موصولة في إمارة الفجيرة يقوم عليها فريق عمل وطني ومسؤول من الشباب والشابات، بعقول إيجابية إنتاجية تحب بلادها، وترتقي بمفهوم الثقافة والفنون إلى معنى الخير والجمال.
في مؤتمر الفلسفة الثاني الذي نظّمه بيت الفلسفة في الفجيرة قبل سنوات، كنت من بين الصحفيين المدعوين لحضور هذه الطاقة الفكرية والأدبية في آن، ورأيت أن الكثير من حضور الفعاليات التي تبدأ في الصباح هم من شباب وطلبة الجامعات، بانتظام، واحترام للوقت، في إطار حوارات عميقة، يجريها الطلبة مع المفكرين والفلاسفة العرب، ما يعكس بالفعل أن هذا الجيل الشاب هو قارئ احترافي للفكر والفلسفة، والمهم أيضاً أنه جيل إصغائي لروح الثقافة، ويعرف كيف يطرح مقارباته وأفكاره أمام نخبة عربية من المتخصصين في الثقافة الفلسفية التي تحتاج إلى عقل منفتح على العديد من الحضارات والثقافات العالمية الحية..
في الفجيرة أيضاً، هنا أفق ثقافي مفتوح لفن مسرح المونودراما، فن الممثل الواحد، لكنه في الوقت نفسه فن الممثل المتعدد في لغة جسده، وفي أدائه الصوتي والحركي واللغوي.
المونودراما ثقافة رفيعة، وتذوقها يحتاج إلى تراكم ومشاهدة دقيقة مركزة، وتلك المهارة في تلقي هذا الفن إنما عززها وركزها مهرجان المونودراما في الفجيرة، المهرجان الذي جمع عبر دوراته المنتظمة المئات من الفنانين الاحترافيين والمثقفين في تخصصهم الإبداعي الجمالي.
الفجيرة، كما كل الإمارات وكل البيئة الأدبية التراثية الأصيلة، أعطت الشعر الفصيح، والشعر النبطي أهمية خاصه نابعة من كون الشعر ليس فقط ديوان العرب، بل هو أيضاً بالمفهوم الإنساني ديوان العالم الذي تشارك فيه لغات الكتابة الحرّة التي تستلهم تاريخ الحب، وتاريخ الجمال، وقيم العدل، والخير، والتسامح، والتعاون القائم على الحوار، وتلاقي اللغات، بمعنى، تلاقي الشعوب والأفكار.
الثقافة في الفجيرة تتكامل مع قوّة الإبداع، القوّة الناعمة في الإمارات وفي العالم، كما أن الثقافة في دولة الفنون والعلوم والآداب هي مشروع وسلوك ورؤية وتطبيق. إنها منظومة رقيّ وجمال ومدنية إنسانية جاذبة لأكثر من مئتي جنسية وثقافة من العالم.
يوسف أبو لوز