حسن الفد.. فنان كوميدي يحول الحياة اليومية في المغرب إلى كوميديا مؤثرة
فنان مغربي يُضحك وينقد ويؤرّخ من خلال أعمال تمزج بين الفكاهة والواقع.

يعتبر حسن الفد أحد أبرز الممثلين المغاربة الذين استطاعوا الجمع بين الترفيه والفهم الواضح للواقع الاجتماعي، إذ يمتاز بقدرته على دراسة بنية الشعب المغربي بكل شرائحه، وتحويل هذه الدراسة إلى كوميديا متجددة تحمل رسائل اجتماعية بطريقة ذكية وساخرة.
ويبرز فنه قدرة فريدة على المزج بين الفكاهة والواقع، مع تقديم مواقف يومية مألوفة تتحول إلى مادة كوميدية ممتعة وهادفة. ويُنظر إلى أعماله على أنها مرآة المجتمع المغربي، يكشف من خلالها عن تفاصيل الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية بأسلوب غير مباشر وراقي، بعيد عن السطحية أو التقليدية.
السخرية والنقد
تتميز أدوار حسن الفد بالقدرة على تقديم شخصيات متنوعة تعبر عن مختلف شرائح المجتمع المغربي، من الريف إلى المدن، ومن الطبقات الشعبية إلى الطبقات الوسطى. يختار الشخصيات بعناية، ويستثمر كل موقف يومي في خلق لحظة كوميدية تحمل بعدًا اجتماعيًا أو نقديًا، كما يعتمد على الملاحظة الدقيقة لسلوكيات المواطنين وتفاصيل حياتهم اليومية، وهذا يمنحه قدرة على تصوير المواقف الواقعية بطريقة ساخرة تخاطب لاوعي الجمهور المغربي.
وتمتل شخصية كبور نموذجًا مميزًا في أعماله، التي ظهرت في سلسلة “كبور و لحبيب”، وركزت على الحياة اليومية لسكان الريف المغربي، وعلى الصدام بين الطبيعة البدوية لسكان المدن الجدد وبين نمط العيش العصري في قالب كوميدي، إذ يعيش كبور ولحبيب حياة جديدة في غرفة على سطح عمارة في مدينة الدار البيضاء، وتمر مواقف ساخرة ناتجة عن الصدام بين بدوية كبور ولحبيب وشعبوية صاحبة العمارة خديجة وحارس العمارة.
ويقدم الفد من خلال كبور شخصية مرحة تجمع بين البساطة والحكمة الشعبية، وتعبر عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الريف المغربي، مع إيصال نقد ساخر للعديد من القيم التقليدية والتصرفات اليومية، فأسلوبه في تقديم كبور يعتمد على الأداء الجسدي، الإيماءات، والنبرة الصوتية، ليصبح المشاهد أمام شخصية حية تنبض بالواقعية والكوميديا في آن واحد.
ويبرع حسن الفد في سلسلة “طوندوس” في تقديم نقد ساخر للواقع الرقمي الجديد الذي أصبح جزءًا من الحياة اليومية للمغاربة. يعتمد في أدائه على مزيج من السخرية الهادئة والذكاء في قراءة التحولات الاجتماعية التي رافقت صعود الترند في الفضاء الافتراضي.
ويجسد في هذا العمل شخصية تبرز وعيه العميق بالتغيرات التي طالت سلوك الأفراد، إذ يكشف بأسلوب فكاهي حاد كيف تتحول المواضيع السطحية إلى محركات للرأي العام، وكيف ينجذب الجمهور إلى كل ما يثير الضجة لا إلى ما يحمل قيمة حقيقية.
ويستخدم الفد في هذا الدور أسلوبه الخاص في المزج بين التعابير الجسدية واللفظية ليبرز المفارقات التي يعيشها المجتمع المغربي في عصر المنصات الاجتماعية. يجعل المشاهد يضحك من تفاهة بعض الظواهر المنتشرة، وفي الوقت نفسه يضعه أمام مرآة تكشف حجم تأثير هذه الظواهر على الحياة العامة.
ويختار السخرية كأداة تفكيك، فيسخر من الترند ليفضح فراغه دون خطب أو شعارات. وهذا ما يمنح “طوندوس” بعدًا يتجاوز الكوميديا التقليدية، ويعزز مكانة حسن الفد كفنان يحلل الواقع ويعيد تركيبه بطريقة فنية مبدعة.
عالم كوميدي
تظهر قدرة حسن الفد على الابتكار والتجديد. كل عمل يقدمه يعالج موضوعًا اجتماعيًا مختلفًا بأسلوب غير مباشر، ويكشف عن فهمه العميق للمجتمع المغربي.
يعالج التفاوت الطبقي، العادات والتقاليد، أو التحديات الاقتصادية بطريقة مرحة لكنها دقيقة، بينما في أعماله التلفزيونية الرمضانية، مثل “الشانيلي تي في” و”الفد تي في”، يستفيد حسن الفد من صياغة نصوص متقنة، وحوارات قصيرة تمثل الحياة اليومية للمغاربة، مع تصوير العلاقات الأسرية، والبيئة الاجتماعية، والتفاعلات الإنسانية بأسلوب ساخر وجذاب.
من خلال هذه الأعمال تمكن تقديم نقد اجتماعي خفيف يظهر الواقع المغربي كما هو، دون الحاجة إلى شرح مباشر أو مبالغات، للتعبير عن قدرة الفنان على استخدام الكوميديا كأداة تحليلية بصرية وصوتية.
وحوّل حسن الفد سلسلة “الفد تي في” إلى مرآة ساخرة حول التناقضات التي تطبع الخطاب الإعلامي المغربي، عبر نشرات إخبارية وهمية وبرامج مسابقات تقليدية بأسلوب ساخر يخترق القشرة اللامعة للمحتوى التلفزي، ويكشف البنية الهشة التي تقف وراءه. ويشتغل على تقليد البرامج المعروفة بطريقة فنية ذكية، فيجعل من المحاكاة الساخرة أداة قوية لإبراز العبث الذي يمر أحيانًا في وسائل الإعلام.
ويمسك بخيوط الواقع بخفة، فيعيد تشكيله داخل فضاء تلفزيوني وهمي يضحك ويُوجِع في آن واحد. ويراقب كيف يتفاعل الجمهور مع الإعلام، فيُظهر في أدائه وكتابته فهمًا عميقًا للذهنية المغربية وطرق استقبالها للرسائل التلفزية. يبني عالمًا كوميديًا يلتقط التفاصيل الصغيرة في الكلام والحركات والإيماءات، ويحوّلها إلى مشاهد مضحكة تكشف سذاجة ما يُقدَّم أحيانًا للمشاهدين. ويرسّخ بهذا العمل مكانته كصوت فني ساخر يعرّي الخطاب من دون أن يصرخ، ويُضحك الجمهور وهو يضعه أمام نفسه.
وقام حسن الفد من خلال سلسلة “لكوب” بتجربة كوميدية متفردة تنطلق من بساطة الحياة الريفية لتغوص في أعماق العلاقات الزوجية التقليدية، يجسّد فيها شخصية الزوج القروي العجوز بطريقة تجمع بين الذكاء الفني والدقة في التقاط تفاصيل الواقع، فيُظهر بحركاته وطريقته في الكلام ما يعيشه جيل كامل من الأزواج في مناطق المغرب العميق. ويختار الصراع اليومي بين الزوجين كمدخل ساخر لتصوير تحولات المجتمع، ويجعل من النقاشات القصيرة مسرحًا لعرض تناقضات الواقع المغربي.
يشتغل الممثل المغربي على الزمن القصير للحلقة بمهارة عالية، فيكثف المواقف ويجعل من ثلاث دقائق مساحة كافية لبناء مشهد يحمل طرافة وسخرية ورسالة اجتماعية. ويلتقط ما يدور في البيوت الريفية من حوارات عفوية ويعيد صياغتها بلغة مسرحية هادئة لكنها لاذعة. ويترك للمشاهد متعة الضحك وفي الوقت نفسه يدفعه للتفكير في أنماط التفكير التقليدية التي مازالت تتحكم في حياة العديد من الأسر.
يبرز الفد من خلال هذه السلسلة فهمه العميق لبنية المجتمع المغربي، فيتفاعل مع ذاكرة الجمهور ويستحضر لغة الجيل القديم وروح الريف المغربي. وينجح في تحويل الحياة اليومية إلى مادة فنية ثرية تُضحك وتنتقد وتؤرخ لمرحلة اجتماعية في قالب كوميدي بسيط لكنه شديد الذكاء.
ونجح حسن الفد في جعل الكوميديا أداة للتواصل مع الجمهور، إذ تتسم أعماله بالقدرة على الوصول إلى مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية. شخصية كبور أصبحت رمزًا للمرح والذكاء الاجتماعي، وتساهم في رسم صورة واقعية عن الحياة الريفية المغربية. العروض الفردية والمسلسلات الرمضانية التي يقدمها تجعل المشاهدين يتعرفون على أنفسهم، على محيطهم الاجتماعي، وعلى اختلاف الطبقات بطريقة ممتعة وفعالة.
فنان ذكي
يمثل حسن الفد نموذجًا للفنان الذكي الذي يحلل المجتمع ويقدمه للجمهور بطريقة مسلية، مع الحفاظ على المصداقية والواقعية. يعتمد على أساليب ساخرة خفيفة تنقل القضايا الاجتماعية بطريقة فنية، وتخلق جواً من الضحك والتفكير في الوقت نفسه.
ويتضح أثر أعماله في تنمية وعي المشاهد المغربي بقضايا مجتمعه، وفي تعزيز قيمة الكوميديا كأداة فنية للتعبير عن الواقع الاجتماعي والثقافي.
ولد حسن الفد بمدينة الدار البيضاء ضمن أسرة متوسطة الحال تضم أحد عشر أخًا وأختًا. نشأ في بيئة ثقافية منفتحة، ساعدت على تطوير حبه للفن والمسرح، مع دعم والده وإخوته الأكبر منه في صقل شخصيته الفنية.
درس الابتدائي والثانوي في الدار البيضاء، ثم انتقل لدراسة الهندسة الداخلية في الرباط، وعمل في هذا المجال لفترة قبل العودة إلى شغفه بالفن، والتحق بالمعهد البلدي بالدار البيضاء وتخرج سنة 1988، مكتسبًا مهارات التمثيل وفنون العرض المسرحي.
بدأ الفد مشواره الفني من خلال الأفلام القصيرة التي حصدت جوائز محلية ودولية، ثم شارك في أعمال سينمائية منها “ياريت” (1993) و”الواد” (1998). وبرز على شاشة التلفزيون في 1999 من خلال برنامج “وجهي فوجهك”، واستمر في تقديم المسلسلات التلفزيونية الناجحة مثل “الشانيلي تي في”، “الفد تي في”، و”لكوبل”، كما أعاد تقديم شخصية كبور في “كبور ولحبيب” و”سلوى والزبير”.
ونال عدة جوائز تقديرية، أبرزها أفضل دور مساعد في مهرجان الإسكندرية السينمائي (2004)، وجائزة جامور لأفضل كوميدي بالمغرب (2006)، والعصفور الذهبي لأفضل دور أول في مهرجان الفيلم الفرنكفوني (2008).
عبدالرحيم الشافعي