دراما وفنون

رحيل عبد القادر مطاع رائد الدراما في المغرب

امتهن التمثيل منذ طفولته واشتهر بتقديم أدوار الشر وحظي بشهرة مغاربية واسعة

ملخص

ظل عبد القادر مطاع، الذي غادر عالمنا أخيراً، الممثل الأكثر شعبية في المغرب لسنوات طويلة، فهو استطاع منذ ستينيات القرن الماضي أن يحظى بتقدير كبير لدى المغاربة، لما قدم من أدوار اجتماعية ظلت راسخة في ذاكرة الجمهور، خصوصاً في التمثيليات الإذاعية القديمة والمسلسلات التلفزيوينة التي كانت تبث على الشاشة الصغيرة قبل عصر الألوان.

كان عبد القادر مطاع أحد أبرز رواد الدراما المغربية، وأكثر الوجوه حضوراً في مجال التمثيل داخل المغرب. فضلاً عن كونه الصوت الفني الأكثر شهرة لدى المستمعين المغاربة، بسبب حجم الإعلانات الإذاعية والتلفزيونية التي شارك فيها. فقد كانت الشركات ومراكز التجارة تعرف أن صوت عبد القادر مطاع مؤثر وأليف لدى المستمع المغربي، لذلك كانت تلجأ إليه.

قدم الفنان الراحل أدواراً مختلفة نقلت إلى الشاشة الصغيرة أنماطاً مختلفة وحالات نفسية متباينة للرجل المغربي، سواء في شبابه أو كهولته أو شيخوخته. غير أنه كان بارعاً في تجسيد أدوار الشر، ففي عدد كبير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية أجاد تشخيص دور الرجل المحتال والوصولي والنرجسي الذي تهمه مصلحته قبل مصالح الجميع. شخّص دور التاجر الماكر والسياسي الفاسد، كذلك أتقن الأدوار الشعبية سواء التي تترجم تفاصيل العيش في البادية أو التي تنقل مشاهد من الحياة اليومية في المدينة. وتقلب الفنان الراحل في أدواره التمثيلية بين ترف الأثرياء وضنك الفقراء.

طفولة قاسية

عاش عبد القادر مطاع طفولة قاسية، ربما كانت سبباً في جنوحه إلى الإبداع. فقد فقَد والده مبكراً، ولم يكن ثمة من معيل لأسرته الفقيرة سوى الأم التي كانت تعمل طباخة لدى أسرة فرنسية. وبسبب هذا الوضع الاجتماعي غادر الطفل المدرسة منذ الفصل الثاني ابتدائي، ليسهم في الأمور الاقتصادية المتعلقة بالمعيشة. لذلك عمل في مهن وحرف بسيطة تدر القليل من المال، وجد الطفل نفسه داخل ورش النجارة وإصلاح الدراجات، ثم داخل مطاحن الملح، ليتحول إلى بيع الخضر. لكنّ شغفه بالتمثيل جعله ينعتق من هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية الضيقة، ويهرع إلى التمثيل. بدأ في نهاية الخمسينيات بتقديم أدوار صغيرة في مسرح الكشفيين خلال المخيمات الصيفية، ثم شارك في مسرحية مع الفنان الراحل محمد الخلفي حملت عنوان “الصحافة المزورة”، غير أن انطلاقته الحقيقية كانت في بداية الستينيات، حين التحق بمسرح المعمورة. وقد قدم خلال الستينيات مسرحيات مهمة مثل “سيدي عبد الرحمان المجذوب” و”حليب الضياف” و”مدينة النحاس” و”المصادفة” و”المغرب واحد” و”معركة الملوك الثلاثة” وغيرها.

أدوار غزيرة

دخل عبد القادر مطاع عالم السينما في أواخر الستينيات، إذ كانت مشاركته الأولى عام 1968 في فيلم بعنوان “تساوت”، وبعدها سجل حضوراً مهماً في الفيلم المغربي المعروف “وشمة” لمخرجه حميد بناني الذي حاز إحدى الجوائز الكبرى لمهرجان قرطاج عام 1970.  شارك بعدها مطاع في أفلام مغربية وأجنبية أبرزها “أحداث بلا دلالة”، “عنف الصمت”، “رقصة الوحش”، “آخر الرومانسيين”، “باب الشيطان”، “لعب مع الذئاب”، “ذراعا أفروديث”، “كريستيان” وغيرها.

فضلاً عن المسرح والسينما شارك عبد القادر مطاع في عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية والسيتكومات مثل “الغريبة”، “الغالية”، “القلب المجروح”، “دموع الرجال”، “الفهايمية”، “شريكتي مشكلتي”، “أبواب النافذة”، “أولاد الناس” وغيرها. وعلى مدار سنوات طويلة كان من باب الاستثناء أن يمر يوم أو يومان من دون أن يظهر عبد القادر مطاع على الشاشة الصغيرة.

لكن الدور الذي يحظى بشهرة واسعة لدى الجمهور المغربي هو الطاهر بلفرياط الذي جسده في سلسلتين فكاهيتين لافتتين حملتا عنوان “ستة من ستين” و”خمسة وخميس” قدمهما التلفزيون المغربي منتصف الثمانينيات. حتى أن الكثير من الأسر الشعبية كانت تعتقد أن الطاهر بلفرياط هو اسمه الحقيقي. وقد كان اندماجه في هذه الشخصية بالذات لافتاً، مما جعله يحافظ على الشخصية ذاتها بكامل خصائصها على رغم انتقاله من سلسلة إلى أخرى. وقد شارك معه في السلسلتين نخبة من أبرز الكوميديين المغاربة مثل المصطفى الداسوكين والمصطفى الزعري وسعاد صابر. وجسد مطاع دور رجل يسعى إلى الاستيلاء على أملاك زوجته بعدما استبد بها المرض.

في السنوات الأخيرة تعاقبت الأزمات الصحية على جسد عبد القادر مطاع، وظل يقاومها بشخصيته القوية وروحه المرحة. غير أن المرض انتصر على هذا الجسد الذي ظل يتحرك بخفة ورشاقة على المسارح وأمام الكاميرات على مدار ستة عقود.

عبدالرحيم الخصار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!