أخبار مسرحية

“شارع 19” ترصد أحوال ثلاثة أجيال مصرية

المخرج عمرو حسان يقود 40 ممثلاً لتقديم مرثية مسرحية موجعة

قدم المخرج المصري الشاب عمرو حسان، العرض المسرحي “شارع 19” تأليف محمود جمال حديني، لفرقة المركز الثقافي في الجيزة (تابعة لهيئة قصور الثقافة – وزارة الثقافة) وهو عرض يرصد أحوال ثلاثة أجيال من المصريين، والتحولات التي حدثت على المستويات كافة.

قد لا يصادفنا كثيراً هذا النوع من المسرحيات، الذي يمكن وصفه بـ”مسرحيات الأجيال” أي تلك التي تتناول أحداثها أجيالاً عدة، وتمتد، ربما، على مدى 100 عام أو يزيد.

هناك على سبيل المثال مسرحية “دورة كنتاكي” للكاتب الأميركي روبرت شينكان (1953) التي تتناول قصة ستة أجيال من العائلات الأميركية من 1775 إلى 1975، وكذلك مسرحية “الملائكة في أميركا” للكاتب الأميركي توني كوشنر (1956) التي عالجت موضوع المثلية ومرض الأيدز، واعتبرها بعض النقاد نقطة تحول في تاريخ الدراما الأميركية، وحصلت على جوائز بوليتزر وتوني وديسك دراما، وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني.

“شارع 19” واحدة من هذا النوع النادر من المسرحيات، التي تمتد أحداثها أعواماً طوالاً، نعم حافظت على وحدة المكان، أما الزمان فقد امتد من أوائل القرن الـ20 وحتى نهاية السبعينيات من القرن نفسه، لنصبح أمام ثلاثة أجيال: الآباء والأبناء والأحفاد.

المسرحية التي كتبها محمود جمال حديني، قدمها المخرج عمرو حسان مع فرقة المركز الثقافي بالجيزة (هيئة قصور الثقافة – وزارة الثقافة) أما الشارع الذي تدور فيه الأحداث فهو “الشيخ عايش” وقبل النهاية يتغير اسمه ليصبح “شارع 19 – الشيخ عايش سابقاً”.

تحولات دراماتيكية

“الشيخ عايش سابقاً” تلخص، في ظني، الرسالة التي سعى صناع العرض إلى تقديمها، فهذا الشيخ، الذي حمل الشارع اسمه، هو المجتمع المصري، الذي شهد على مدى القرن الـ20، تحولات دراماتيكية، انتهت به إلى ما هو عليه الآن من انهيارات مرعبة، وصعود طبقات طفيلية من السماسرة والأفاكين وتجار الحرب والمخدرات، إلى قمة الهرم الاجتماعي، بينما تم سحق الطبقة الوسطى، التي مثلها سكان الشارع، تلك الطبقة التي تعلم أبناؤها وصنعوا المسرح والسينما وكتبوا الرواية والشعر، ومارسوا الرسم وتأليف الموسيقى، ثم انتهى بهم الحال إلى قاع المجتمع، منهم من لجأ إلى الإدمان هرباً من مأساته، ومنهم من هاجر، ومنهم من سعى إلى الانضمام إلى طبقة الأثرياء الجدد، ولو على حساب كرامته ومبادئه، ومنهم من انضم إلى جماعات دينية متطرفة، ومنهم من ظل قابضاً على جمر أحلام، يدرك في قرارة نفسه أنها لن تتحقق.

إنها مرثية لهذا المجتمع، مرثية شديدة الأسى، لكنها، في الوقت نفسه شديدة الذكاء، تدعي أنها تقدم مجرد رصد لفترة تاريخية مرت بها مصر، في حين تختار زاوية مؤلمة ترصد من خلالها وتطرح سؤالها الرئيس، ماذا حدث للمصريين، وأي سياسات أدت بهم إلى ما هم عليه الآن؟

استعادة الذكريات

إن أبرز ما في هذا العرض المسرحي أن مشاهده يرى نفسه مجسداً على الخشبة، يستعيد ذكرياته، إذا كان من كبار السن، أو يتعرف إليها، إذا كان من الشباب، ويتأمل، هذا وذاك، تلك المسيرة الطويلة التي مرت بها بلاده، والتحولات التي شهدتها، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، كيف كان المصريون، وماذا أصبحوا، يشاهد ذلك كله في صيغة فنية تجمع بين البهجة والأسى، بين الضحك والبكاء، بين الجمال الذي كان، والقبح الذي حل، بعيداً من المباشرة والافتعال، أو حتى توجيه الإدانة إلى عهد بعينه أو مرحلة بعينها، نحن نرصد فحسب.

في هذا العرض، الذي يمكن وصفه بالملحمي، كان على المخرج أن يدير 40 ممثلاً وممثلة، يجسدون ثلاثة أجيال، وهو ما تطلب وعياً فائقاً بأدق التفاصيل، حتى لا تختلط الأمور، أو يختل الإيقاع ويرتبك. استعان بمصمم ديكور (محمد فتحي) صاغ الفضاء المسرحي في منظر واحد لكنه متغير حسب مقتضيات الأحداث، ففي العمق مقهى شعبي، ويمين ويسار المسرح محلان تجاريان، محل عطار يتحول بعد ذلك إلى مكان لتجارة المخدرات، ومحل لإصلاح الساعات، يتحول بعد ذلك إلى محل لتصوير الأفراح، وفي مرحلة لاحقة إلى محل لبيع الملابس المستوردة يترشح صاحبه لعضوية البرلمان، ويشتري بيوت الشارع القديمة ليحولها إلى أبراج سكنية، في دلالة على صعود الطبقة الطفيلية وسيطرتها على كل شيء، أما المنتصف فيشغله بيتان شعبيان، يتم تدويرهما في بعض المشاهد لتصوير ما يحدث داخلهما، وأحياناً ما يتم تصوير الأحداث، في البيتين، بالتوازي، وهو ما نجح فيه مصمم الإضاءة (عز حلمي) من طريق الانتقال السلس ما بين هذا البيت أو ذاك، فضلاً عن إسهام الإضاءة في بناء دراما العرض، وهو ما تجلى، على سبيل المثال، في المشهد الأخير، حين بدت الإضاءة كما لو كانت تمثل مجموعة من الدوائر، تعبيراً عن دوران عجلة الزمن مصحوبة بالتغيرات التي حدثت، وهي، كما صورها العرض، تغيرات بالسلب لا بالإيجاب.

تفاصيل دقيقة

اهتم المخرج كذلك بالتفاصيل الدقيقة، سواء المتعلقة بالأزياء (محمد فتحي) أو بالماكياج (أمل حسام) مراعياً التغيرات التي حدثت للشخصيات والأذواق، طوال تلك الأعوام، كما جاء الغناء حياً (أشعار أيمن النمر، ألحان حازم الكفراوي، غناء سيف أشرف وياسمين محمد، قيادة الفرقة الموسيقية تامر ماجد) وشكل عنصراً مهماً في العرض وداعماً للدراما، ومجدداً لطاقتها، بخاصة أن زمن العرض اقترب من الساعتين، فجاء الغناء، فضلاً عن وظيفته الدرامية، ليكسر الملل الذي قد يتسرب إلى المشاهدين.

 

 

يسري حسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!