عبدالله يوسف.. حين يصبح المسرح مرآةً لروح البحرين

في حياة الشعوب محطات لا تُقاس بعدد ما يُقدَّم من عروض أو جوائز، بل بما يُترك من أثرٍ في الوجدان. ومن بين تلك المحطات التي تشهد على نبض الفن البحريني، يأتي تكريم الفنان عبدالله يوسف كشخصيّة مهرجان البحرين المسرحي الرابع تحت رعاية سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة ليشكّل لحظة وفاء لجيلٍ صنع هوية المسرح المحلي بعرقه وشغفه وصمته الطويل خلف الكواليس.
عبدالله يوسف ليس اسماً عابراً في تاريخ المسرح، بل هو ذاكرة متكلمة بلغة الضوء والظل. رجلٌ تشكّل وعيه على خشبةٍ تتنفس القلق، وصقلته تجارب الإخراج والتصميم والتمثيل حتى صار كل عملٍ يحمل بصمته الخاصة، وكأنه توقيع البحرين على وجه الفن العربي. بدأ مسيرته فناناً تشكيلياً، يرى اللون امتداداً للنصّ، ثم دخل عالم المسرح ليحوّل المشهد إلى لوحة نابضة بالحياة. كانت أعماله مثل «وجوه» و«بنت النوخذة».. محطات فكرية وجمالية أعادت تعريف العلاقة بين المتفرج والمسرح، بين الواقع والحلم.
ولعل ما يميّز عبدالله يوسف ليس فقط تعدد مساراته، بل صدقه في كل ما يقدّم. لم يكن يوماً أسير الأضواء، بل عاش في ظلّها بصبر الفنان الذي يؤمن أن الجمال لا يُصنع في صخب الشهرة، بل في عمق المعنى. هو من أولئك الذين يقدّمون الفن كرسالة، لا كوسيلة. يختار مشاريعه بعين الباحث لا بعين المتسابق، فيجعل من كل عرضٍ سؤالاً مفتوحاً حول الإنسان والمجتمع والزمن.
تكريمه اليوم ليس مجاملة رمزية، بل اعترافٌ بمسيرة تشبه رواية طويلة كُتبت على مهلٍ. فكل فصلٍ من حياته المسرحية كان خطوة في طريق بناء هوية بحرينية للمسرح، تتكئ على التراث دون أن تتقوقع فيه، وتنفتح على الحداثة دون أن تذوب في زيفها. من خلاله، تعلم كثير من الشباب أن الفن ليس عرضاً مؤقتاً، بل التزام وجودي؛ وأن الخشبة ليست مكاناً للأداء فحسب، بل مساحةٌ للتفكير والبوح والتغيير.
إن مهرجان البحرين المسرحي الرابع حين اختار تكريم عبدالله يوسف، فقد اختار أن يحتفي بالمعنى قبل الاسم، وبالجوهر قبل المظهر. هذا التكريم هو بمثابة تحية لذلك الفنان الذي ظلّ يؤمن بأن المسرح ليس مرآةً للواقع فحسب، بل وسيلة لتغييره، وأن الممثل لا يعيش الشخصية على الخشبة فقط، بل يعيشها في الحياة أيضاً.
عبدالله يوسف اليوم هو ذاكرة وطنٍ تُروى على هيئة إنسان. يقف على الخشبة، لا ليستعرض ذاته، بل ليعكس وجوه الناس جميعاً. وحين يُكرَّم، يُكرَّم معه جيلٌ من المبدعين الذين جعلوا من المسرح بيتاً دافئاً لأحلام البحرين وهواجسها وأسئلتها.
ذلك هو جوهر هذا التكريم: أن نحتفي بفنانٍ لم يساوم على صدقه، ولم يركض خلف المجد، بل جعل الفن مجده، وجعل من المسرح حياةً تُعاش لا لحظة تُشاهد.
رضا الستراوي – الأيام البحرينية



