“قائمة الجدل السينمائي”: أفضل 25 فيلما مصريا في ربع قرن
تساؤلات وتبريرات تفتح ملف أزمات الصناعة بعد سيطرة جيل الثمانينيات على المراكز المتقدمة وغياب الكوميديا

ملخص
أصدر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قائمة تضم أفضل 25 فيلماً قدمتهم السينما المصرية خلال أول ربع قرن من الألفية الثالثة، وهي القائمة التي اعتمدت على التصويت، وقد أثارت جدلاً كبيراً نظراً إلى استبعاد الكثير من الأعمال التي تصنف على أنها مهمة وقوية.
بعد مرور نحو 28 عاماً على إصدار قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية، انشغل الوسط الفني خلال الأيام الماضية بقائمة جديدة أعلن عنها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تضم أفضل 25 فيلماً خلال الربع الأول من القرن الـ21.
كلتا القائمتين اختارهما نقاد متخصصون، الأولى صدرت قبل عصر مواقع السوشيال ميديا، والثانية جاءت في وقت يشتعل فيه الجدل خلال دقائق قليلة بمجرد طرح موضوع يحتمل الآراء والأخذ والرد للعلن.
وبالفعل هذا ما حدث فور أن أصدر المهرجان، الذي يترأسه الفنان حسين فهمي ويحتفي هذا العام بدورته الـ46، القائمة. ونظراً إلى أن جمهور مهرجان القاهرة السينمائي يتسع كثيراً ولا يضم فقط المتخصصين، فلم يتوقف المهتمون بالسينما بصورة عامة عن التدوين منذ الكشف عنها، إذ اعتمدت على التصويت، وجرى ترتيب الأفلام بها بناء على عدد المصوتين، كذلك تباين مستوى الأفلام وجماهيريتها جعلت القائمة جديرة بأن تكون محوراً للنقاش بين مجتمع عشاق الأفلام.
فقد جاء في المركز الأول واحد من أكثر الأفلام إثارة للجدل، وأبرزها في ما يتعلق بتحدي معايير الجهات الرقابية، وهو “بحب السيما” للمخرج أسامة فوزي، واللافت أن المركز الأخير كان من نصيب المخرج العالمي الأكثر شهرة الذي تحظى أعماله باهتمام وثناء على الدوام، يوسف شاهين، حيث احتله بفيلمه “هي فوضى” الذي يشترك في إخراجه مع خالد يوسف.
بينما، وفقاً للمعترضين، غابت عن القائمة الأفلام الكوميدية، وبالكاد وجد بها عادل إمام بفيلم واحد غير كوميدي على رغم رصيده الحافل في تلك الفترة، كما غاب عنها كثير من الأفلام التي اختيرت في تلك الفترة لتمثيل مصر في الأوسكار، فهل كانت جميع الأعمال التي اختيرت مستحقة لمكانتها وهل عبرت عن التنوع؟ أم أن القائمة في النهاية هي تمثيل عن حقبة محدودة زمنياً شهدت ظروفاً فنية ومجتمعية واقتصادية معينة أثرت في طبيعة الإنتاج وحتى طريقة التلقي؟!.
ماذا عن المصوتين؟
وفقاً لما جاء في البيان الرسمي لمهرجان القاهرة السينمائي، فإن القائمة تأتي بالشراكة مع الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) وجمعية نقاد السينما المصريين، احتفالاً بمرور 100 عام على تأسيس الاتحاد، وهي تغطي الفترة منذ يناير (كانون الثاني) عام 2001 وحتى يوليو (تموز) الماضي، التي شهدت إنتاج 881 فيلماً مصرياً طويلاً.
وقال المدير الفني لمهرجان القاهرة الناقد محمد طارق في حديث إلى “اندبندنت عربية”، إنه جرى الحرص على مبدأ تكافؤ الفرص بأن شملت القائمة التي يجري التصويت عليها عروض السينما والقنوات الفضائية والمنصات كذلك، وإرسال استمارة تصويت لأعضاء جمعية نقاد السينما المصريين الـ86، وفي النهاية شارك 63 منهم بصورة فعالة، موضحاً أن نسبة التصويت هذه تعكس اهتمام النقاد بدقة الاختيار ورغبتهم في تقديم مرجع نقدي مستقبلي لهذه الحقبة المهمة.
إحدى أبرز النقاط التي جرت إثارتها هي، لماذا لم يجر تصنيف الأفلام وإعداد قوائم لأكثر من فئة؟ سواء من ناحية موضوعها، ككوميدية أو تراجيدية، أو حتى شكلها الفني، روائية طويلة أم قصيرة أو وثائقية، لإعطاء الفرصة لأفلام مهمة للغاية بأن تكون ضمن القائمة، وأُعيب أيضاً عدم تصفية القائمة مبدئياً نظراً إلى وجود أعمال كثيرة لا شك أنها تعاني فنياً بشهادات النقاد المتخصصين.
وهنا أشار طارق إلى أنه جرى الحرص على ألا تجري تصفية القائمة سابقاً بالفعل، بل جاء التصويت على جميع الأفلام لتكون النتيجة تمثيلاً حقيقياً لآراء النقاد، مضيفاً أن القائمة تعكس نتائج تصويت نقاد محترفين، وتأخذ بالاعتبار القيمة الفنية والتأثير الاجتماعي والثقافي، وليست مبنية فقط على نوع الفيلم، مما يعكس عمق البحث والتحليل النقدي في اختيار الأفلام المختارة، ويفتح المجال لمناقشة نقدية أوسع حول تصنيف وطبيعة الأعمال السينمائية.
لكن الناقدة الفنية خيرية البشلاوي تشرح هذا الجدل بالتأكيد على أن الأفلام المختارة ليست بديعة في المطلق ولا كاملة الأوصاف في المطلق، ولكن بالنسبة إلى صناعة السينما المصرية في ذلك الوقت، هي أفضل المتاح، فهناك إطار زمني يحكم عملية الاختيار، مشددة على أن للأمر علاقة كبيرة بالناحية الاقتصادية، فالأفلام المهمة والقوية بحاجة إلى موازنات ضخمة، موضحة أنه لم يعد يرصد أحد موازنات كبيرة من أجل مشروع فني بارز.
وعلى رغم أن هناك اعتباراً أساساً لا ينبغي تجاهله أبداً وهو الذائقة الفنية الفردية للنقاد المشاركين، وأن الآراء النقدية من الطبيعي ألا تكون نسخاً متطابقة، لا تزال الملاحظات تحمل وجاهة، ومنها غياب عدد من الأفلام التي مثّلت مصر في الأوسكار، وغياب أعمال مهمة على رغم جدارتها مثل “السفارة في العمارة”، و”لا مؤاخذة”، و”إسكندرية نيويورك”، و”شيخ جاكسون”، و”أسرار البنات”، و”أسماء”، و”ملك وكتابة”، وبنات وسط البلد”.
كذلك يبدو غريباً احتواء القائمة على فيلم وثائقي واحد، هو “أبو زعبل 89″، مع غياب الأفلام الروائية القصيرة، فكان الأجدى الاكتفاء بالروائية الطويلة، كذلك من النقاط التي أثيرت للطرح أن العدد المحدود من المصوتين كان يمكن تفاديه بطرح الاستفتاء على متخصصين في النقد الفني لهم ثقلهم، وليس فقط النقاد من أعضاء الجمعية.
ووصفت البشلاوي القائمة بأنها ببساطة تمثل أفضل 25 فيلماً خلال الربع الأول من القرن الحالي من وجهة نظر أعضاء جمعية نقاد السينما المصريين، مشيرة إلى أنه كان من الأفضل توسيع دائرة المشاركين بالاعتماد على نقاد آخرين لأن هناك نقاداً محترفين كثراً وعلى درجة عالية من الكفاءة ولكنهم ليسوا أعضاء بالجمعية، مما كان سيثري القائمة بلا شك.
وقالت، “الأفلام التي تضمنتها القائمة تعبر باختصار عن الذائقة الفنية لأعضاء الجمعية، كما أنها، قبل كل ذلك، مؤشر على مستوى صناعة السينما والمناخ الاجتماعي والسياق الثقافي، وفي الحقيقة فإن الفيلم الذي حظي بأعلى نسبة تصويت ’بحب السيما‘ إنتاج عام 2004 هو فيلم جيد للغاية، ويحظى بتقدير نقدي وشعبية وجماهيرية أيضاً بين المشاهدين”.
أزمات الصناعة
المراكز المتقدمة في القائمة تضمنت أعمالاً تصنف على أنها جريئة وتحدت المعايير الرقابية الصارمة، وكثير منها ناقش ملفات سياسية قوية وكذلك اقتحم موضوعاً ذات بعد ديني، إضافة إلى القضايا المجتمعية الشائكة، وبينها “مواطن ومخبر وحرامي، ورسائل البحر، واحكي يا شهرزاد، وعمارة يعقوبيان، والأبواب المغلقة، وجنينة الأسماك”، أما المركز الأول بالتحديد حظي بمساحة من النقاش موازية، تتعلق بموضوعه الشائك الذي أذهب أصحابه إلى المحاكم، حيث تعرض الفيلم لحملات عنيفة لمنع عرضه، وبخاصة أنه ناقش أزمة التزمت الديني في أسرة مسيحية متوسطة الحال، مما جعل المهتمين بالصناعة يتساءلون عن كون الفيلم الذي كان مهدداً بعدم التنفيذ من الأساس وبعدم العرض في ما بعد، وخاض صنّاعه مواجهات على مستويات عدة ليخرج إلى النور، يُصنف من وجهة نظر المتخصصين كواحد من أهم الأفلام التي أنتجتها مصر في الألفية الثالثة حتى الآن.
وتعتقد الناقدة خيرية البشلاوي أن هذا مؤشر على الانفصال الدائم بين الهيئات الرقابية المختصة وأفكار المبدعين، وتابعت “من الصعب للغاية، على سبيل المثال، تقديم فيلم بهذا السقف المرتفع في الوقت الحالي، فهناك تراجع فني وذوقي كما أن المحاذير الرقابية تزداد على الأعمال الفنية، كما أنني أعتقد أن هناك توجهات دينية متطرفة تسيطر على بعض متخذي القرار في الهيئات الفنية الرقابية في بعض الأوقات”.
ما بين القائمتين
في عام 1997 كان القائمون على قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية، التي أشرف عليها رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حينها أيضاً الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، وجاءت احتفالاً بمرور 100 عام على عرض أول فيلم من إنتاج مصري، أكبر حظاً لأن مساحات الجدل كانت أقل لأسباب عدة، أبرزها وجود فرصة كبيرة للاختيار والتنوع لأنها شملت حقباً ذهبية في السينما، وأيضاً لأن عدد 100 فيلم يجعل المهمة أيسر بسبب عدم الاضطرار إلى تضييق قائمة الاختيارات للالتزام بالوصول إلى 25 فيلماً فقط.
وشملت القائمة حينها أفلاماً بارزة مثل “العزيمة”، و”الحرام”، و”باب الحديد”، و”شباب امرأة”، و”التوبة”، و”المومياء”، و”سواق الأتوبيس”، وكانت مرحلة الستينيات هي الأكثر وجوداً بـ28 فيلماً، وتلتها الخمسينيات ثم السبعينيات، كما كان يوسف شاهين صاحب النصيب الأكبر من الأفلام وبعده صلاح أبو سيف، وكمال الشيخ، وكان هناك حضور للأفلام ذات الطابع الكوميدي في مراكز متقدمة مثل “غزل البنات”، و”سي عمر”، و”مراتي مدير عام”.
أما أبرز الملاحظات على القائمة الجديدة سيطرة جيل الثمانينيات على كثير من المراكز المتقدمة، سواء إخراجياً أو في مجال السيناريو أو التمثيل أيضاً، فكانت للمخرج يسري نصرالله ثلاثة أفلام، وهناك فيلمان لداود عبدالسيد، ومثلهما لمحمد خان، وثلاثتهم يُصنفون من مخرجي جيل الثمانينيات والواقعية الجديدة وأفلامهم تحظى بإشادات نقدية دائمة.
وامتلك المؤلف وحيد حامد ثلاثة أفلام، فيما ظهر عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز بفيلم واحد لكل منهم، أما نور الشريف فخرج من القائمة كبطل مطلق ويظهر اسمه فقط كبطل ثانٍ في “عمارة يعقوبيان”، فيما جاء ظهور يسرا في فيلم “معالي الوزير” مع أحمد زكي، وليلى علوي كبطلة مشاركة لمحمود حميدة في “بحب السيما”، وإلهام شاهين في بطولة جماعية هي “واحد صفر”.
ووجدت بالقائمة مخرجات مثل هالة خليل، وكاملة أبو ذكري، وهالة لطفي، وكان لافتاً أيضاً وجود فيلم “ريش” الذي حظي بجدل كبير واتهامات بالإساءة لسمعة البلاد في المركز الـ17، وهو ترتيب متقدم نسبياً، كما تضمنت القائمة أفلاماً لنجوم جيل الألفية مثل أحمد السقا، ومنة شلبي، ومنى زكي، وبسمة، وبعضهم بأكثر من عمل، وكانت لهند صبري خمسة أعمال، وقد جاء ترتيب فيلم “أوقات فراغ” متقدماً على أفلام مثل “الجزيرة”، و”أبو زعبل 89″، و”هي فوضى”.
دعوة إلى فتح مجال للنقاش
بالنسبة إلى وجهة نظر المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الناقد السينمائي محمد طارق، فيرى أن غياب بعض أعمال نجوم معينين يعكس طبيعة التنوع في الاهتمامات النقدية وليس قصوراً في التمثيل، معتبراً أن القائمة تهدف إلى فتح نقاش نقدي مستمر وليس إلى وضع قائمة نهائية ومطلقة.
ودعا الجمهور إلى انتظار إصدار كتاب توثيقي يتضمن تحليلاً نقدياً شاملاً لهذه الأفلام والظواهر الفنية التي مرت بها السينما في هذه المرحلة، كما ستُنظم جلسة خاصة لمناقشته خلال فعاليات الدورة الـ46 للمهرجان التي ستقام خلال الفترة من الـ12 إلى الـ21 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
حميدة أبو هميلة