أخبار مسرحية

مسرحية “سراب”.. شراكة إبداعية بين الرؤية الإخراجية والممثل

يعتبر ظهور مسرح العبث زمن الحرب العالمية الثانية، مؤشراً على التحولات الفكرية في مسار الحراك المسرحي الغربي بداية، ثم امتدادها لاحقاً لتشمل الحراك المسرحي في العالم.

وذلك بسبب هيمنة المركزية الثقافية للغرب، قبل أن تبدأ هذه الهيمنة بالتراجع بالتوازي مع ظهور مراكز ثقافية متعددة في أنحاء العالم، في ظل التطور التكنولوجي.

وانعكست هذه الموجة العولمية (ثقافة العبث) على مختلف صنوف الفنون والآداب ومنها المسرح؛ فظهرت بنية المسرحيات خالية من الدراما، وغابت الحبكة عن نصوصها، كما غاب الصراع الدرامي والإثارة.

ومن العروض العبثية في حراكنا المسرحي، مسرحية “سراب” من صياغة وإخراج المعتمد المناصير، التي قدمت أول من أمس على مسرح هاني صنوبر بالمركز الثقافي الملكي، ضمن فعاليات الموسم المسرحي التي تنظمه مديرية الفنون والمسرح في وزارة الثقافة.

صاغ المناصير نصه المسرحي بالإفادة من ثلاث مسرحيات لصموئيل بيكيت، أحد أقطاب العبث في العالم، وهي: “في انتظار جودو” (1952)، و”نهاية اللعبة” (1957)، و”الأيام السعيدة” (1961).

تحدثت مجريات المسرحية عن شخصيتين، أفاد المخرج في ظهورهما على الخشبة، من مسرحية “في انتظار جودو”، يُدعيان فلادمير واستراجون، يظلان ينتظران شخصية ثالثة تدعى “جودو”، ورغم الانتظار الطويل لم يحضر “جودو”، وأثناء ذلك يدخل فلادمير واستراجون في أحاديث وحوارات متشعبة، ليتجاوزا الملل لحين قدوم “جودو”. وأثناء ذلك، يقابلان ثلاث شخصيات أخرى.

كما أفاد المناصير من “الأيام السعيدة” في توظيف التراب التي كانت شخصية “ويني” مدفونة فيه، في معنى رمزي هو هلاك الإنسان الأكيد، حيث سيعود الإنسان للتراب ولا محالة من ذلك، فكان استخدام التراب في العرض عبر إهالته على شخصيتي العرض الرئيسيتين كما يهال على الجثث البشرية قبل إغلاق القبر عليها، وإلى غير ذلك من المقترحات التي نفذتها رؤية المناصير في توظيف مسرحي عبثي حول مفردت التراب.

عمقت الرؤية الإخراجية توظيف تقنيات بيكيت العبثية، لجهة أسلوبية المسرحيات الثلاث في طرح شكل مسرحي فعال عبثياً، فتم في “اتنظار جودو” توظيف مسألة مساحات الصمت، والأبعاد الزمنية، والحوار الدائري. ومن “نهاية اللعبة” استلهمت الحوارات القصيرة المختزلة المباشرة، والتي لا تخلو من السخرية، وطغيان مساحات الصمت، وشعور الشخصيتين بأن المكان فضاء ثقيل ينوء دائماً على صدورهم. ومن “الأيام السعيدة” حضرت تقنية البوح المسرحية التي تطاول المونولوجات الطويلة.

وبدلا من كون شخصيتي العرض الرئيستين متشردين كما في نص “في انتظار جودو”، أظهرهما المناصير في العرض جنديين في صحراء، يظلان طيلة الوقت ينتظران قائدها “جودو”، الذي لم يأت أبداً، وحتى انتهاء العرض.

البناء الصوتي كان فعالاً دلالياً، بتقديم نغمات حزينة على الموت ضمن السياق العبثي، حيث كانا بعد كل موت يعودان لنفس المكان، بمعنى أنه حتى الموت لم يفرق أحدهما عن الآخر.

وكانت الموسيقى الممزوجة بالصوت البشري حيناً، والجمل الموسيقية حيناً آخر، تمهد لمشاهد الصمت، وتشير إلى الانتقال من مشهد إلى آخر، وتظهر المعنى بقوة مرافقةً أداء الشخوص بقوة كما في مشهد خذلان أحدهما للآخر، في معنى رمزي تواصل معه المشاهدين وتمحور حول خذلان العالم لغزة المحاصرة. وكانت هذه التقنية الأساس لتوليد العلامات السمعية في مشهدي الافتتاح والختام، الطارحة أنغامهما مشاعر عارمة بالحزن النبيل والشجن، على واقع هذين الجنديين، اللذين ظلا عالقين في تلك الصحراء من الوجود في هذا العالم، بحيث أنهما مهما بذلا من جهود، يجدان نفسيهما ما يزالان عالقين.

ظل البناء البصري متناغما طيلة العرض مع البناء الصوتي، في إنشاء الفضاء المسرحي، فأسهمت مفرداته؛ سواء مشاهد المنظورات للممثلين، أو الأداء الفردي، أو أداء الممثلين المشاركين كمجاميع،في حضور مناخات وأجواء الغرض البصرية.

ومن خلال الحضور القوي للرؤية الإخراجية، وبراعة الممثلين المثنى القواسمة وعمر أبو غزالة، في تنفيذ هذه الرؤية، ظل الفضاء المسرحي حقلاً فعالاً يضج بالعلامات السمعية والبصرية طيلة العرض.

وتؤكد هذه المسرحية، أن اختيار النصوص التغريبية، ناتج عن قلة النصوص الدرامية البعيدة عن الفضاءات الأدبية، وافتقارها إلى السينارو المسرحي، إضافة لعدم “تبيئتها”، رغم أن المسرح هو المسرح حيثما وجد، ولهذا يعد هذا الاختيار التغريبي، سببا رئيسا في نأي الشرائح الشعبية الأكبر في المجتمع عن متابعة الحراك المسرحي.

يذكر أن التأليف الموسيقي لمراد دمرجيان، تنفيذ الديكور والاكسسوارات والخدع لمعتز كرامة، وشارك في العرض تقنيا كل من كفاح قباجة، ورمزي جاد الله، وأمجد المراشدة، وأحمد الساحوري، ومكرم كفاوين. وضم العرض مجموعة من المؤدين من بينهم: رسول الفيومي، ومحمد العنري، وأحمد ذيب، ويزن الحواجري.

alrai

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!