ملتقى اليوم السابع يفتح حوارا حول المسرح المصري..

عصام السيد: المشكلات معلومة منذ عقود.. خالد جلال:المسرح الخاص بصورته القديمة لن يعود.. يوسف إسماعيل:تصوير العروض كنز مهدر.. وهشام عطوة:ميزانية البيت الفنى تضاعفت
يظل المسرح في مصر أحد أعمدة هويتنا الثقافية؛ فنا حيا رافق تشكل الذائقة الحديثة منذ أواخر القرن التاسع عشر، تعاقبت عليه مواسم ازدهار وأخرى واجه فيها تحدّيات تتصل بالاقتصاد والتشريعات والبنية التحتية وتكوين الجمهور، وفي هذا السياق، عقد ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون حوارًا موسعا مع نخبة من كبار المسؤولين والمبدعين والقائمين على الحركة المسرحية، للوقوف على الواقع الراهن والسعي إلى الأفضل.
بدأت الندوة بتأكيد علا الشافعي، رئيس مجلس إدارة اليوم السابع، بأن المسرح صناعة متكاملة، تمامًا مثل السينما، وفي الستينيات شهدنا حركة مسرحية رائدة، كان يشارك فيها القطاع الخاص أيضًا، الذي كان أحد أهم مصادر الدخل والسياحة، إلى جانب دوره الفني، ولا ننكر أن لدينا تجارب شبابية واعدة، ولدينا المسارح القومية ومسارح الدولة المختلفة، لكننا في حاجة إلى عودة قوية لكل أنواع المسرح، لا لنوع واحد فقط.
ونحن نستضيف في هذه الندوة، قامات مسرحية كبيرة للمشاركة في هذا الحوار هم الأساتذة الكبار عصام السيد وخالد جلال، وهشام عطوة، وأحمد البوهي، ويوسف إسماعيل، ويسري حسان وعزت زين، وننطلق من سؤال محوري: إذا أردنا استعادة مكانة المسرح المصري كما كانت، فما الذي نحتاجه اليوم؟
عصام السيد
تتلخص الأزمة الأساسية التي يعاني منها المسرح المصري في أن المشكلات معروفة والحلول مطروحة منذ عقود، لكن التوصيات غالبًا ما تُحفظ في الأدراج دون تنفيذ، فمنذ ستينيات القرن الماضي عُقدت مؤتمرات وموائد مستديرة وأُعدّت أبحاث عديدة حول أوضاع المسرح، غير أن القرارات بقيت حبرًا على ورق.
في منتصف السبعينيات (1975-1976) كان في مصر 14 فرقة مسرحية خاصة، أما اليوم فلا يتجاوز العدد فرقتين أو ثلاثًا فقط، يحدث ذلك على الرقم من تزايد أعداد الجمهور.
يتبع المسرح العام وزارة الثقافة، إلا أن الحكومة تعاملها كأي وزارة أخرى، فتطبق عليها قوانين لا تتناسب مع طبيعتها الخاصة، من ذلك العقد الموحد الذي يخصم 5% من أجر الفنان باعتباره احتياطيًا على غرار ما يحدث في عقود المقاولات. كذلك تطبق الفاتورة الإلكترونية حتى على الهواة الذين يحصلون من نشاطهم على مبالغ زهيدة (80-100 جنيه في السنة)، وهو ما يدفع كثيرين للعزوف عن المشاركة، الميزانية المخصصة للأنشطة في الثقافة الجماهيرية لا تتجاوز 20-30 مليون جنيه، ومع ذلك تُثقل بأعباء ضريبية غير مبررة.
تُعد الرقابة إحدى العقبات الكبرى، إذ تفرض قيودًا مشددة بسبب حوادث محدودة وقعت في الماضي، القانون ينص على أن التصريح بالعرض المسرحي ساري لمدة خمس سنوات، لكن في الواقع يطلب من الفرق إعادة الحصول على التصريح كل عام، ما يرهق العملية الإبداعية ويخالف اللوائح.
ورغم اهتمام الدولة بـ بناء الإنسان ودعوة الثقافة لمواجهة التطرف، إلا أن المهرجانات المسرحية مثل التجريبي تعاني من مشكلات تنظيمية، والجمهور يواجه صعوبة في الوصول إلى المسارح وسط الأسواق العشوائية.
كما أن القطاع الخاص مرتبط مباشرة بالقدرة الشرائية للجمهور، في السبعينيات والثمانينيات كان المسرح الخاص نشطًا بفضل السياحة العربية، لكن هذا النشاط تراجع بعد حرب الخليج وانحسار السياحة، اليوم لا يستطيع العرض المسرحي أن يجذب الجمهور إلا إذا كان مبهرًا ومكلفًا، في حين أن الضرائب المرتفعة (تصل إلى 60% من الإيراد، وضريبة إعلانات تبلغ 36%) تجعل الاستثمار في المسرح الخاص شبه مستحيل.
ومع ذلك ظهرت مبادرات بديلة يقودها شباب الجامعات، حيث يجمعون الأموال فيما بينهم لإنتاج عروض صغيرة، ويكتفون بتغطية تكاليفهم من التذاكر بأسعار رمزية، دون تحقيق أرباح.
بالتالي فإن المشكلات التي تواجه المسرح المصري ليست خافية ويمكن اختصارها في نقص البنية التحتية، قوانين غير مناسبة، ضرائب تثقل كاهل الفنانين، رقابة معقدة، والحلول أيضًا ليست جديدة، لكن غياب التنفيذ الجاد هو ما يجعل الأزمة مستمرة
يسري حسان
إحدى القضايا الجوهرية التي تواجه المسرح والثقافة في مصر هي غياب التربية الفنية والثقافية منذ المراحل التعليمية الأولى، ففي الماضي، حتى في المدارس الحكومية، كان الطلاب يشاركون في أنشطة متنوعة: حصة للموسيقى، أخرى للرسم، فرق مسرحية، أنشطة رياضية وزراعية، بل وحتى حصص للمكتبة، هذه البيئة المتكاملة أسهمت في تنشئة جيل يقدّر الفنون ويعي دورها في بناء الوجدان.
أما اليوم، فقد اختفت هذه الأنشطة تقريبًا من المدارس، لم يعد هناك مسرح مدرسي حقيقي، ولا مكتبات فاعلة، ولا حصص منتظمة للموسيقى أو الفنون، الطفل لم يُعَدّ ليكون مستقبلًا جمهورًا للمسرح أو للثقافة، بل تُرك فريسة للبدائل السطحية مثل محتوى المهرجانات أو التيك توك.
إلى جانب ذلك، لا يساهم الإعلام في سد الفجوة، فغالبًا ما يقتصر عرضه على خمس أو ست مسرحيات جماهيرية تبث في الأعياد والمواسم، وكأن المسرح لا يتجاوز الكوميديا التجارية، ورغم وجود عروض متميزة يقدمها شباب في البيت الفني أو في نوادي المسرح أو المهرجانات، إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الإعلامي، مما يصيب صناعها بالإحباط ويضيّق دائرة وصولها إلى الجمهور.
ترسيخ هذه الصورة النمطية لدى المشاهد العادي جعله يربط المسرح فقط بالكوميديا، بل أحيانًا بالكوميديا السطحية، وبذلك ضاع التنوع الحقيقي للمسرح، من التراجيديا إلى المسرح الشعري والفلسفي والتجريبي.
إن تكوين جمهور للمسرح لا يمكن أن يبدأ في الجامعة أو عند النضج، بل يجب أن يُزرع منذ الطفولة، من خلال تشجيع القراءة، وإحياء حصص الموسيقى والمسرح في المدارس، وإتاحة الفرصة للطفل ليشاهد ويشارك.
وغياب هذه التربية لا يهدد المسرح وحده، بل يهدد الفنون والآداب كلها.
عزت زين
أنا ابن المسرح المدرسي والثقافة الجماهيرية، ومؤخرًا مسرح الدولة، ولذلك أرى الصورة من الداخل، المشكلة ليست فقط في الإبداع أو في الكفاءات، وإنما في التشريعات والتمويل والتخطيط.
على سبيل المثال، في المسرح القومي نعلن عن مواعيد عروض لا تُنفذ أبدًا، نحن نفتقد فكرة الموسم المسرحي الواضح، كما يحدث في لندن حيث يُعرف قبل سنوات مواعيد العروض، بينما عندنا لا شيء محدد.
المشكلة الأخرى أن الفائزين في مهرجانات الثقافة الجماهيرية لم يعودوا يحصلون على جوائز مالية كما كان يحدث سابقًا، إضافة إلى ذلك فإن التشريعات الضريبية بدورها تخنق أي محاولة للقطاع الخاص، كيف يمكن لمنتج أن يجازف بينما الإيجارات مرتفعة والضرائب تأخذ نسبة ضخمة من دخله؟
أما مسرح الأقاليم فمعاناته مضاعفة، فالمهرجان القومي هذا العام امتد لأول مرة لعدة محافظات، وهو أمر جيد، لكن حين ننظر إلى محافظات مثل الفيوم أو بني سويف أو مطروح وهي من أكثر المناطق احتياجًا للفعل الثقافي نجد أن قصر الثقافة في الفيوم مثلًا مغلق منذ أربع سنوات للصيانة، ويحتاج اليوم أكثر من 100 مليون جنيه لإعادته للحياة، والحل المطروح أن يُبنى حوله محلات تجارية لتغطية النفقات، مع أن المبنى نفسه أيقونة معمارية فريدة صممها الدكتور عزت صقر، وخسارته ستكون جريمة.
في الثمانينيات مثلًا، رأينا تجارب مهمة كمسرح السرادق الذي قدمه المخرج الراحل صالح سعد في قرى الفيوم، ونجح في تكوين جيل كامل من المسرحيين ما زالوا نشطين حتى اليوم، أما الآن، فالتجارب الجديدة تُجهض بدعوى الحفاظ على التقليدي، فيسود الجمود ويحاصر التجديد.
ولا يمكن أن نغفل المسرح المدرسي، لقد كان أحد الأعمدة الأساسية لبناء الوعي الفني منذ زكي طليمات وصلاح منصور وعدلي كاسب، أما اليوم فلم يعد يحظى بأي تخطيط أو دعم، الوزارة تتعامل مع النشاط كأنه غير موجود، وأولياء الأمور يرونه ترفًا أمام التعليم الأكاديمي، وهكذا ضاع الطريق الذي يُربي الأجيال على حب المسرح والفنون.
يوسف إسماعيل
أتمنى أن نرى المسرح بعين مختلفة، وأن يكون لديه وجدان يستشعر قيمة هذا الفن، ونحن أمام مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بغياب التوثيق والأرشفة، والثانية بجمود ميزانيات الإنتاج.
فمنذ عام 2009 لم يُصوَّر عرض مسرحي واحد تصويرًا احترافيًا يحفظه في ذاكرة الأجيال، نحن ننتج مسرحيات بملايين الجنيهات ثم نتركها تختفي وكأنها لم تكن، لو تم تصوير هذه العروض وتوزيعها على التلفزيون أو المنصات الإلكترونية لجلبت مليارات تكفي لتمويل المسرح نفسه، لكن اللوائح والقوانين حالت دون ذلك.
أذكر أنني خضت معركة لتصوير عرض ليلة من ألف ليلة ليحيى الفخراني على المسرح القومي عام 2015، لكن البيروقراطية تعاملت مع الفنانين كما لو كانوا مجرد سلع تُشترى وتُباع، حتى عندما اقترح رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب تفعيل بروتوكول التعاون بين التلفزيون والبيت الفني للمسرح، لم يتحقق شيء، وهكذا ضاع الأرشيف وضاع معه كنز من الأعمال.
أما المشكلة الثانية فهي الميزانيات الثابتة التي لا تراعي تغيّر الأسعار، هل يُعقل أن تظل ميزانية الإنتاج كما هي منذ سنوات، بينما أسعار الخامات والخشب والقماش وكل عناصر الديكور تضاعفت، لكن المخصصات كما هي.
مصر تنتج ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف عرض مسرحي سنويًا، وهو رقم ضخم مقارنة بالمنطقة كلها، لكن هذه الحركة المسرحية لا تصل إلى الجمهور ولا تظهر في المشهد العام لأنها محاصَرة بهذه العقبات، لقد أصبح المسرحيون أشبه بمحاربين يخوضون معركة يومية من أجل البقاء.
أحمد البوهي
أنا أعمل في القطاع الخاص، ولذلك لم أتعرض لكثير من العقبات التي يواجهها زملائي في المسرح الحكومي، لكن عندنا في القطاع الخاص إشكاليات مختلفة تمامًا. وأول ما يجب أن أوضحه هو الفرق بين المسرح كخدمة ثقافية، وهو الدور الطبيعي للدولة، وبين المسرح كصناعة، وهو مجال الاستثمار والإنتاج.
المشكلة الأساسية أن إنتاج عمل مسرحي ضخم يتطلب استثمارًا هائلًا، بناء مسرح واحد قد تصل تكلفته إلى ثلاثمائة مليون جنيه، وهذا بخلاف ثمن الأرض، فما بالك بإنتاج مسرحية واحدة قد تصل تكلفتها إلى خمسين أو ستين مليون جنيه، ثم تأتي الدولة لتقتطع أكثر من ستين في المائة من ثمن التذكرة على شكل ضرائب ورسوم، بينما يتبقى للمنتج أربعون في المائة فقط، عليه أن يغطي بها تكاليف البناء والإنتاج والتشغيل والتدريب والتسويق، هذا وضع مستحيل على أي صناعة أن تستمر فيه.
والأدهى من ذلك أن الدولة ما زالت تُصنّف المسرح ضمن بند الترفيه والملاهي، وهو نفس التصنيف الذي تُفرض عليه ضرائب هائلة، تأتي في الترتيب الثالث بعد ضرائب الكحول والتبغ، والنتيجة أن الحكومة لا تجني أي عائد حقيقي من هذه الضرائب، بينما الصناعة نفسها تُنهك وتضعف، الأجدى من ذلك أن تُعفى تذاكر المسرح من هذه الضريبة، حتى تنتعش الصناعة وتزدهر، وبالتالي تستفيد الدولة من الضرائب العادية ومن كل الصناعات المساندة التي يُحرّكها المسرح.
ويجب أن نعلم أن المسرح لا يشغّل الممثلين وحدهم، بل يشغّل ما يقرب من ستة وثلاثين قطاعًا آخر، من النجارين إلى الحدادين، ومن مصممي الملابس إلى العاملين في الإضاءة والديكور والبناء والنجارة، إن تخفيف العبء الضريبي عن المسرح كفيل بإنعاش هذه الدائرة الاقتصادية كلها.
أما فيما يتعلق بالترويج، فهذه إشكالية أخرى، على سبيل المثال في مسرحية شارلي، كانت هناك تذاكر للصفوف الأولى بسعر ألفي جنيه، وفي المقابل وُجدت تذاكر أخرى بسعر ثلاثمائة جنيه فقط، أي قريبة من سعر تذكرة السينما، ومع ذلك ظل الانطباع السائد عند الجمهور أن التذاكر باهظة الثمن، من دون أن يُذكر أن هناك فئات سعرية مختلفة تناسب الجميع، وهذا يعكس غياب مفهوم التدرج في الأسعار الذي يتيح لكل الفئات فرصة الحضور، وفي الوقت نفسه يضمن استمرار الصناعة.
نحن بحاجة أيضًا إلى مؤشرات أداء واضحة وحقيقية لقياس وضع المسرح، كم كان عدد الفرق المسرحية والمسارح الخاصة قبل عشرين عامًا؟ وكم عددها اليوم؟ كم كانت مساهمة المسرح في الناتج القومي المحلي سابقًا؟ وما حجمها الآن؟
لذلك عندما أقول إن لدينا مشكلة، فأنا لا أحب أن أستخدم كلمة أزمة، لأن الأزمة كلمة ضخمة، ولكن من واجبنا أن ندق ناقوس الخطر، نحن بلد يتزايد عدد سكانه بشكل متسارع، وعدد المسارح بالنسبة إلى عدد السكان لا يزال ضئيلًا للغاية.
الدولة تقوم بمجهودات مشكورة، ومسرح الدولة يظل هو الأساس، لكننا لا نملك إطارًا متكاملًا خارج هذا المسرح، ولهذا فإنني أدعو إلى تخفيف العبء عن الدولة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص ليشارك في هذه المسؤولية.
إن ما تعلمناه من تجارب الخارج يوضح الفرق الكبير، في برودواي في نيويورك أو ويست إند في لندن، هناك هرم إنتاجي متكامل يبدأ من أوف أوف برودواي بتذاكر زهيدة، ثم يتدرج حتى يصل إلى العروض الكبرى التي تدر مليارات الدولارات، في شارع 42 وحده في نيويورك، يوجد ما يقرب من ستة وثلاثين مسرحًا، بإجمالي إنتاجات تتجاوز ملياري دولار سنويًا، أما نحن في مصر، فنفتقد وجود هذه الصناعة المتكاملة.
خالد جلال
أود في البداية أن أقول إننا نجلد أنفسنا أكثر من اللازم فيما يخص ما يُسمى بأزمة المسرح المصري، الأستاذ عصام السيد ألف منذ عشرين عامًا كتابًا بعنوان أزمة المسرح المصري من الخمسينات وحتى الآن حين كان مديرًا للمسرح الكوميدي، وجمع فيه كل المقالات التي تناولت الحديث عن أزمة المسرح المصري: في الخمسينات، والستينات، والسبعينات، والثمانينات، والتسعينيات.
حتى في الفترة من 1910 إلى 1950، أي في عزّ ازدهار المسرح، كان يُقال إن المسرح في أزمة، في الستينات مثلًا، حين أبدع ميخائيل رومان، وتوفيق الحكيم، ونعمان عاشور وغيرهم، خرج نقاد يرددون أن المسرح في أزمة.
الحقيقة أن إحباط المبدع أمر في غاية السوء، لذلك أرى أنه لا مانع أن نكون متفائلين وأن نُعطي كل ذي حق حقه، نعم، دائمًا هناك ما هو أفضل مما هو قائم، وعلينا أن نسعى لتطوير الخدمة والارتقاء بما نقدمه. لكن القول إن المسرح في أزمة أراه مبالغة كبيرة.
لدينا بالفعل استراتيجيات، فمثلًا هناك بروتوكول موقّع بين اليوم السابع والشركة المتحدة منذ ست سنوات، لكنه لم يُفعّل، ذهبنا أكثر من مرة لتفعيل هذا البروتوكول، حتى جاء الأستاذ طارق نور وشاهد مسرحية حواديت وانبهر بها، وقال: لماذا لا تُصوَّر هذه الأعمال؟، حضر معه وزير الثقافة الذي تابع بنفسه أكثر من 15 عرضًا مسرحيًا، وتحدث مع الفنانين، ثم طلب تفعيل البروتوكول فورًا، الأستاذ طارق نور نفسه محبّ للمسرح، وهو من صوّر قهوة سادة من قبل، ومنذ أيام الدكتورة إيناس عبد الدايم وُقّعت بروتوكولات لتصوير الأعمال، لكنها لم تُنفّذ.
حتى أن وزير الثقافة قال أخيرًا: خذوا المسرحيات وصوّروها مجانًا، ونحن سنتكفل بدفع حقوق الفنانين. بالطبع هذا يسري على المسرحيات الكبرى مثل الملك لير التي يقوم ببطولتها الفنان يحيى الفخراني، بينما العروض الصغيرة لا تمثل عائقًا.
إلى جانب ذلك، لدينا مشروع المواجهة والتجوال، الذي ينقل مسرحيات من إنتاج البيت الفني للمسرح إلى القرى والنجوع في أقصى أنحاء مصر، وذلك برعاية وزارات الداخلية والدفاع والشباب والتضامن. هذا المشروع قائم منذ ثلاث سنوات، وهو حاليًا في محافظة قنا.
من ناحية أخرى، إذا تابعنا مقالات الأستاذ يسري حسان سنجد أنه وثّق منتجًا رفيع المستوى، لا يرتبط بالنجوم الكبار وإنما بالمستقلين والجامعات، مصر اليوم أكبر منتج مسرحي في الوطن العربي بلا منازع، فلماذا لا نقول إننا كبار؟ نعم نطمح للأفضل، لكن لا نقول إننا في أزمة.
أما عن القطاع الخاص، فالحقيقة أن ما قدّمه عرض شارلي يختلف عن تجارب الماضي، لم يعد ممكنًا أن يعود القطاع الخاص كما كان في عصر عادل إمام وسمير غانم ومحمد صبحي وغيرهم، لأن أجور النجوم اليوم باتت خيالية، كيف يترك ممثل مسلسلًا يتقاضى فيه عن الحلقة الواحدة أضعاف ما قد يجنيه من عرض مسرحي كامل يمتد شهرين؟ هذه المعادلة انتهت، ولن تتكرر.
البديل هو إنتاجات مختلفة، مثل شارلي، التي اعتمدت على جودة المنتج الفني نفسه، بطولة الفنان الشاب محمد فهيم، وهو ليس نجمًا جماهيريًا بحجم الكبار، لكنه موهوب وصنع نجاحًا حقيقيًا، هذا هو النموذج الذي يجب أن نتبناه: أن يذهب الجمهور للعرض من أجل جودته، لا من أجل اسم النجم.
كذلك، لدينا اليوم مواسم نجوم المسرح الجامعي، مهرجان شرم الشيخ، مهرجان إيزيس للمرأة، مهرجان شباب الجنوب، مهرجان المنيا، مهرجان المونودراما، المهرجان التجريبي، المهرجان القومي، مهرجانات المعهد والنقابة والجامعات، إضافة إلى مهرجانات قصور الثقافة. كلها تقدم عروضًا ضخمة العدد، لكنها ليست مجرد عدد في الليمون، بل كثير منها أعمال مميزة.
أذكر أن بعض عروض مواسم المسرح الجامعي أنتجت بمبالغ لا تتجاوز 5000 جنيه، بدعم من صندوق التنمية الثقافية، ومع ذلك كتب عنها الأستاذ يسري حسان ستة أو سبعة مقالات كاملة، نظرًا لجودة المنتج. هذه العروض حين تدخل المهرجان القومي، تحقق نتائج لافتة.
خذ مثلًا: قهوة سادة لم تتكلف سوى 22 ألف جنيه، بينما عرض حواديت هذا العام كلف 80 ألف جنيه فقط. ورغم بساطة الإمكانات، ينجح الشباب بجهودهم الذاتية، من إضاءة وديكور وملابس.
أنا أرى أننا في مركب واحد. إذا صدقت النوايا، وإذا تعاونّا جميعًا بإخلاص لدعم الفن المصري، سنتجاوز كل الصعوبات. صحيح هناك تقليص في الميزانيات بسبب الظروف الاقتصادية، لكن هذا ليس شأن مصر وحدها، بل ينسحب على الوطن العربي كله. ومع ذلك، هذا العام زادت ميزانيات بعض القطاعات، مثل قطاع الهناجر ومكتبة القاهرة، بعدما شرحنا احتياجاتنا بوضوح لوزارة المالية.
الأساس أن نُعظم شأن المميزين، سواء في الإعلام أو الصحافة أو القنوات الفضائية. على سبيل المثال: عرض حواديت تغيّر وضعه تمامًا بعد ظهوره في حلقة واحدة مع الإعلامية منى الشاذلي، حيث تضاعف حضوره آلاف المرات. هذا هو الدور المطلوب: دعم الأعمال المتميزة والترويج لها، بدل أن تظل حبيسة أوساط ضيقة.
أؤكد أن ما نحتاجه هو تفعيل بروتوكولات التصوير، إصدار تشريعات تتيح تمويلًا أوسع، وتكامل الإعلام مع النقد المسرحي لدعم المنتج الجيد. المسرح المصري بخير، لكنه بحاجة إلى إدارة واعية ودعم متوازن بين الدولة والقطاع الخاص.
هشام عطوة
أود أن أشير أولًا إلى مسألة الميزانية، ميزانية هذا العام الخاصة بالبيت الفني للمسرح قد تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني أن الدولة تمنحنا زيادة فعلية. أنا أقول ذلك من واقع السجلات الرسمية ومن واقع الإنتاج، من واقع الحقيقة ذاتها. الدولة لم تمنع الميزانية، بل على العكس، كلما زاد العمل من جانبنا، زادت هي الدعم.
على سبيل المثال، مسرحية الملك لير، التي قُدِّمت هذا العام، كلفت ميزانية ضخمة، لكنها في المقابل حققت إيرادات وردود فعل قوية جدًا، العروض المسرحية التي ينتجها البيت الفني للمسرح أو وزارة الثقافة بشكل عام، تحقق صدى إيجابي واسع، وهناك بيان رسمي بالعروض التي صُوِّرت بالفعل، ومنها أعمال كثيرة معروضة على شاشة التلفزيون، وأحب أن أوضح أن حقوق بعض هذه الأعمال تنتهي مدتها بعد عشرين عامًا، مثل: أهلًا يا بكوات، والأميرة والصعلوك، وغيرها، وكلها لدى التلفزيون بعقود قائمة.
أما عن البنية التحتية، فلدينا أكثر من ثلاث عشرة خشبة مسرح في القاهرة وحدها. الوزارة تمتلك عددًا كبيرًا من المسارح، وإذا أضفنا الهيئة العامة لقصور الثقافة، سنجد أن لديها خشبات مسرح ربما تكون أفضل من بعض المسارح التابعة للبيت الفني نفسه في المحافظات. وأنا بحكم عملي السابق على رأس الهيئة، أعرف أن لدينا مسارح عظيمة في الأقاليم: فالإسكندرية مثلًا تمتلك قصر ثقافة الأنفوشي بمسرح ممتاز، طنطا بها مسرح رائع داخل المركز الثقافي، أسيوط بها مسرح بديع، قنا بها مسرح جميل جدًا، الإسماعيلية بها مسرح كبير جرى تطويره مؤخرًا، وكذلك بورسعيد وسوهاج. معالي الوزير أيضًا وجَّه بالفعل بضرورة سفر العروض إلى هذه المحافظات، وهو ما يجري العمل عليه.
لكن مشكلتنا وأنا هنا أؤيد الأستاذ خالد جلال– هي أننا أحيانًا نقسو على أنفسنا بما يشبه جلد الذات، على سبيل المثال، عندما بدأنا مشروع ابدأ حلمك لتأهيل الممثلين الشباب، بدأنا في الفيوم، ثم توسعنا بعد ذلك، هذا المشروع كان مبنيًا على تدريب لمدة ستة أشهر، تولى مسؤوليته أساتذة كبار من القاهرة وأكاديمية الفنون، لتخريج فرق نوعية جديدة باسم فرق ابدأ حلمك. وهذه التجربة بحاجة إلى استمرارية لأنها بالفعل صنعت فرقًا مسرحية جديدة في الأقاليم
إذن، نحن أمام خطة متكاملة تشمل كل المسارح، بحيث يصبح لكل مسرح هويته الخاصة، بدلًا من نقل العروض بين المسارح كما كان يحدث في الماضي. هذه هي ملامح الصورة الكاملة للعمل خلال الفترة القادمة.
التوصيات
توصيات المشاركين:
- ضرورة زيادة دعم الإعلام للعروض المسرحية وتوسيع نطاق التغطية الإعلامية لها.
- إعادة تفعيل نظام البعثات الفنية والورش التدريبية، سواء داخل مصر أو خارجها، لإتاحة فرص أوسع للتجديد والإبداع.
- العمل على تعيين الشباب والفنانين أصحاب المهارات النادرة، لضمان استمرارية الكوادر الفنية المتخصصة.
- مراجعة القوانين واللوائح المنظمة لعمل المسارح ومنحها مرونة أكبر بعيدًا عن البيروقراطية.
- إعادة الاعتبار للمسرح المدرسي بوصفه القاعدة الأساسية لبناء جمهور المستقبل.
- تمكين أبناء الأقاليم من إنتاج وتقديم عروضهم المسرحية، وعدم الاقتصار على استقبال الأعمال القادمة من العاصمة.
- تخصيص بند ثابت للدعاية والتسويق في ميزانيات العروض المسرحية، بما يوازي المعايير العالمية.
- توثيق العروض المسرحية وتصويرها بشكل احترافي لحفظها وإتاحتها للأجيال القادمة.
أدار الحوار : جمال عبدالناصر
أعده للنشر : محمد عبدالرحمن – شيماء منصور