نقد المسرح المغربي اليوم كأفق للتكوين

ثانيا، بدى أن الحديث عن التقنيات الفكرية العملية الكفيلة بإنتاج كتابة نقدية موضوعية للأعمال المسرحية قد حظي هو الآخر بمساحة مهمة داخل هذا اللقاء، ذلك أن الإشارات كانت واضحة هنا بخصوص ضرورة تأهيل نقاد مسرحيين جدد قادرين على سبر أغوار العمل المسرحي وقراءة مكوناته الفنية وتلقيها في كليتها دونما الحاجة إلى تقليدانية الكتابة النقدية حول النص المسرحي فقط وإقصاء باقي عناصر العمل ككل، من انتباه إلى فكرة العرض ومرجعياتها وأشكال تطور سردية القصة داخل المسرحية إلى جانب لغة الحوار المسرحي مباشرة كانت أم رمزية وطبيعة تفاعل الممثلين سواء كان بينيا أو مع باقي عناصر العرض من ديكور وإنارة وباقي العلامات السينوغرافية للحقل المرئي للمسرحية ككل (جزء من مداخلتي عبد الكريم برشيد والحسين الشعبي).
وصولا إلى رصد مجهود ما قام به المخرج من تقطيع فني مشهدي وحواري للعمل المسرحي قبل أن يغوص الناقد الكاتب في عتبة التلقي وما رصد ما أحدثه العرض من أثر عند الجمهور أثناء وبعد الفرجة (جزء من مداخلة الشعبي).
ثالثا، ظهر أن الكلام حول ممكنات تأصيل النقد المسرحي في مشهدنا الثقافي اليوم كممارسة واعية، قد احتل حظي بدوره بحيز في نقاشات هذه الندوة التكوينية، التي اعتبرت خطوة مهمة إن لم نقل فريدة في ترسيخ ثقافة جديدة داخل منطق ورشات التكوين الخاصة بالمسرح ببلادنا وهي تأهيل أقلام ناقدة تستطيع أن تكتب بشكل علمي موضوعي حول العروض المسرحية بعد تحقيق شرط المشاهدة الحية المباشرة، في إشارة إلى سعي واضح نحو إحياء هذا النوع من الكتابات النقدية التي كانت نشيطة في مغربنا الثقافي سنوات السبعينات وإلى حدود منتصف التسعينات من القرن الماضي سواء على صفحات الجرائد الوطنية أو المجلات المتخصصة (جزء من أحاديث نجاح التامي والصديق مكوار والحسين الشعبي).
خصوصا إذا ما انتبهنا إلى أن تحدي تأصيل النقد المسرحي ككتابة نشيطة اليوم يستمد شرعيته إن صح التعبير من كون أن أغلب معاهد التكوين في الفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب، تكاد لا تنتبه لما يسمى بمدرسة المتفرج وما يتطلبه الأمر من ضرورة وجود نقاد قادرين على تمكين هذا المتفرج الجمعي من فهم وقراءة الأعمال المسرحية عبر كتابات نقدية لا تنتج أحكاما تقييم مطلقة وجاهزة وإنما تساعد المتلقي وتمكنه عبر النص النقدي وما ينطق به من موضوعية تحليلية وتفسيرية من أن يبني هو نفسه، موقفا أو حكما إن لم نقل تمثلا معينا حول هذا العرض المسرحي أو ذاك (جزء من حديث لعبد الكريم برشيد) مع الأخذ بعين الاعتبار هنا ضرورة الانخراط الجدي والواضح للفاعل المسرحي ببلادنا اليوم والباحثين الأكاديميين في المسرح ليواكبوا عمليا الفعل المسرحي المغربي من داخل مسارحنا مع جعل النقد حاضرا في دفتر التحملات الفرق المسرحية ليكون آلية دينامية تواكب بالتأطير والتوجيه الرصين عمل الفرق المسرحية (من حديث الحسين الشعبي).
ويبقى واقع الحال المسرحي في بلادنا مفتوحا على ضرورة رسم آفاق مستمرة للنقاش قصد الحفر في الصيغ الأكثر نجاعة لإعادة انبعاث فرجة مسرحية حقيقية في مسرحنا المغربي أساسها أعمال وعروض تنطق بوجودية الإنسان المغربي وقلقه وانتظاراته الجمعية إلى جانب الحفاظ على الحق في معانقة باقي المواضيع بكل حرية فكرية ممكنة وصولا إلى التصالح مع الفرجة القائمة على التلقي المباشر والحي للعروض المسرحية والمتقدة دوما بممارسات نقدية كتابية أو سمعية بصرية تسمح بتفجير القراءات التأويلية المتعددة حول هذا العمل المسرحي أو ذاك لنمنح مسرحنا المغربي أنفاسا أكثر دينامية وأصالة للحياة.
سمير السباعي albab



