أخبار مسرحية

يكتب المشهد المسرحي وقلبه على تكوين مسرح مغاير في البحرين..

واحدة من أهم الورش المسرحية تلك التي يخوض غمارها المعملي المغاير شباب المسرح في فرقة الصواري وبعض شباب الفرق الأهلية في البحرين بقيادة المخرج المغربي المبدع محمد الحر والتي نظمتها فرقة مسرح الصواري برعاية ودعم من الهيئة العربية للمسرح بالشارقة..

في هذه الورشة يقف الحر على كيفية خلق مسرح متحرر من القيود التقليدية العامية التي لازالت كثير من الفرق المسرحية العربية تعتاش عليها في تدريباتها وعروضها المسرحية، منطلقًا في ذلك من خلال رؤى مختبرية جديدة ومغايرة تدفع الممثل لاكتشاف ذاته وأدواته الأدائية من جديد، ومتحررًا في الوقت ذاته من سلطات الرقابة القهرية التي أطّرت جسده وروحه في قوالب إعاقية خانقة لا تسمح لا لروحه ولا لجسده بالتنفس الحر وتجاوز وردم أسوار الشكل التقليدي السائد..

في هذه الورشة التي استغرق العمل فيها عشرون يومًا، وقف المعلم الحر على أهمية الجسد الشرقي وأهمية سكونه الطقسي بعيدًا عن الثرثرة الأدائية التي اعتادتها أغلب عروضنا المسرحية، وهي تدريبات تحتاج إلى صبر ونفس عميق، مثلما تحتاج إلى زمن تدريبي طويل، تدريبات من شأنها أن تتحكم في تكوين الروح والجسد، الأمر الذي يهيئها لإدراك تفاصيل الجسد الدقيقة أو الميكروفيزيائية، نعم في بداية التدريبات عانى أغلب شباب الورشة من صعوبة التدريب ولكن بعد مرور أسبوع تقريبًا حاول الشباب التكيف بسلاسة مع هذا التدريب، وهو الأمر الذي قادهم أيضًا للتحكم في أدائهم الصوتي وإتقان مساحات ودرجات نطقه واهتزازاته، وبذلك يحررهم الحر من الأصوات العشوائية المعتادة التي تروم المبالغة في كل شيء وكما لو أن الحياة اليومية صيغت بهذا الشكل. 

وهنا يذهب الحر إلى منطقة أخرى تنطلق من اليومي في الحياة والتي تعاكس التنميط الذي درج عليه مسرحنا العربي منذ سنوات سحيقة بل وإلى حتى يومنا هذا، فمن اليومي العادي يصوغ الحر لغة المسرح الجديدة والمؤثرة في الأداء..
يقف الحر في هذه الورشة المختبر على دور الإيماءة في الأداء، كيف نتعاطاها، وكيف نؤديها، وما هو الضروري منها وكيف نجعل منها سيمفونية أدائية تخدم الجسد كله وتضيف دلالات جمالية أخرى إلى مفردات جسده وصوته وأنفاسه وروحه.

يقف الحر في هذه الورشة أيضًا على جغرافيا الحركة في المسرح وكيفية تنظيم وتوزيع خرائطها على خشبة المسرح، وهو تدريب ليس بالسهل طبعًا، إذ كيف يكون المتفرج قادرًا على أن يراك مهما كان حجم الكتل البشرية التي ينخرط الممثل في منظومتها أو مهما تباعدت عن هذه الكتلة، ومن خلالها يعود الحر لتكوينات حركية أخرى تنسجم مع فراغات الخارطة وبأزمنة أدائية متباينة، تتراوح بين الحركة البطيئة جدًا والأسرع فالأسرع فالبطيء وهكذا، ليعود الحر ثانية إلى استثمار كل هذه الحركات في مواقع مباغتة لينسج بذلك مع المؤدين بيلوفونية جديدة تصوغ جمالية أدائية في الحركة. 

ومن أهم تدريباته تلك التي وقفت على الحكي، ماذا نحكي وكيف نحكي وما الذي يعنينا من هذه الحكاية وكيف يختلط الحكي المسرود بحكي الجسد وكيف تصبح الحكايات كلها منظومة مسرحية مشبعة بجموح المخيلة التي وقف عليها الحر كثيرًا في التدريبات والتي رأى أن من شأنها أن تصوغ جسدًا مدربًا على استثمار كل ما هو مغاير وغير مألوف، وربما يكون ذلك من خلال تشكيل حكاية يومية بسيطة، إذ كيف يمكن لليومي والمعتاد حسب الحر أن يصبح متخيلاً في المسرح.

والتعامل مع المخرج المؤطر الحر يحتاج إلى صبر وجلد، إذ أنك وأنت تعتاد على حركة في التدريب، سرعان ما يفاجئوك بتغييرها، وذلك بغرض إعدادك لأي محتمل حدوثه في فضاء الخشبة، كتدشين حالة بصرية تتكئ على الصورة الحركية الثابتة، أو اشتغالات حركية أخرى تنحو نحو انحناءات الجسد برمته أو انحناءات والتواءات أجزاء منه.
يركز الحر في هذه الورشة على أهمية أن ترينا الشيء من خلال أدائك سواء كان ذلك عبر صمتك أو كلامك أو حركتك، أن تشعرنا بالزمن والأجواء التي تعيشها في صمتك أو صرختك أو حركتك.

في ورشته لا يذهب الحر إلى الانفعالات؛ لأنها أحيانًا تفضح أداء المؤدي، الحر يريدها مختزلة غير مبالغ فيها ولا مكشوفة أو مفضوحة.
يومًا بعد يوم يزداد الشباب المغرمين بالمغاير في هذه الورشة حماسًا، فيجلب كل منهم أداة أو بعض الأدوات ليختبرها في تدريباته، فيكتشفون من خلالاها دلالات كثيرة تحفزهم على اكتشافات كثيرة، فيخضعها الحر لاختبارات جديدة معهم.
ومن أهم التدريبات في هذه الورشة، التوازن في الأداء الحركي على الخشبة، وماذا نعني بالتوازن، سواء ذلك من خلال الجسد أو من خلال الإكسسوارات التي يتعامل معها الجسد أو من خلال جغرافيا الخشبة..

في الأيام الأخيرة من الورشة يصعد الشباب الخشبة بعد أن كانوا في القاعة، ويبدأ نتاج الورشة في التجلي أكثر، خاصة مع اختباره من قبل المخرج الحر مع الإضاءة والمايكرفونات والمؤثرات، وبالمقابل يزداد الحماس الذي يلهبه الحر في نفوسهم من خلال اختزال ما تلقوه في مقطوعات بصرية صيغت في لوحات حركية وصوتية أنتجت روحًا شبابية مدربة على تمارين صعبة في المسرح ننتظر نتاجها المسرحي في الأيام القادمة، و(الفن والشمس والمسرح هي التي شكلت روح فرقة الورشة في الكتابة المشهدية) كما عزفها وأدَّاها الفنان زكريا الشيخ في ختام الورشة؛ وليكون الطموح أبعد في (شيء ما ينقصني ).

يوسف الجمدان alayam

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!