«موريلّا المكسيكي»: السينما ليست ترفاً بل فعل حياة
في قلب مدينة موريلا المكسيكية، التي تتزين كل عام بألوان الفن ودفء الشاشات، انطلقت الدورة الـ23 من مهرجان موريلا السينمائي الدولي (FICM)، حاملة معها مزيجاً متجدداً من الحماس السينمائي والهوية الثقافية المكسيكية. المهرجان الذي يُعتبر أحد أهم المنصات في أميركا اللاتينية للسينما المستقلة، بدا هذا العام أكثر نضجاً وجرأة في خياراته، كأنه يُعلن بصوت واثق أن السينما المكسيكية لم تعد تبحث عن مكانها في العالم، بل أصبحت من أبرز لغاته البصرية.
في الليلة التي وقف فيها الممثل دانييل خيمينيث كاتشو ملوحاً لجمهوره خلال العرض الأول لفيلم «خوانا»، ساد شعور بالحنين والتأمل. كاتشو، الذي يُعد من أكثر الوجوه احتراماً في السينما اللاتينية، أعاد عبر الفيلم تأكيد العلاقة العضوية بين السينما المكسيكية وهويتها الاجتماعية والسياسية. الفيلم يقدم صورة أنثوية صلبة، مُستوحاة من الإرث الديني والثقافي، ويعيد صياغة مفهوم البطولة في سياق شعبي وإنساني بعيد عن البريق التجاري.
ما يميز هذا الحدث ليس فقط أسماء المخرجين أو عدد الأفلام المشاركة، بل مقولة المهرجان أن السينما هنا ليست ترفاً، بل فعل حياة من خلال الاحتفاء بالأصوات الجديدة، وفتح أبوابه للأفلام التي تنبض بصدق التجربة، خصوصاً تلك القادمة من المناطق الريفية ومجتمعات الشعوب الأصلية، التي وجدت في الشاشة نافذة للبوح والاعتراف.
من اللافت هذا العام الاهتمام المتزايد بالسينما النسائية، حيث تقدم مخرجات شابات رؤى جريئة ومغايرة عن الهوية والذاكرة والمجتمع، دون الانزلاق إلى الشعارات أو الخطابة. إلى جانب ذلك، برزت أعمال وثائقية قوية، بعضها عن الهجرة، وبعضها عن التحولات المناخية، وأخرى عن الذاكرة السياسية للبلاد.
ورغم الحضور الدولي اللامع، بقيت روح المهرجان مكسيكية خالصة، أصيلة، مشبعة بالموسيقى المحلية، وبالدفء الإنساني الذي يجعل من الفن حدثاً شعبياً بقدر ما هو ثقافي. الشوارع المحيطة بدور العرض امتلأت بالعروض الموسيقية والرقصات الشعبية، فيما اختلط النقاد والطلبة والجمهور في نقاشات حيوية بعد كل عرض، في مقاهي موريلا التي تحولت إلى مختبر مفتوح للأفكار السينمائية.
emaratalyoum



