أخبار مسرحية

العرائس تحت المجهر.. من القاهرة إلى الشارقة

العرائس تحت المجهر.. من القاهرة إلى الشارقة

يبدو أن فنون العرائس والدمى ستعيش لحظة فارقة خلال الأشهر الأربعة المقبلة، ستشهد خلالها تحولا لافتا فى مسيرتها التاريخية سواء على المستوى النظرى أو العملى والتطبيقى أو على مستوى الصناعة، باعتبارها لغة بصرية مدهشة تتجاوز حدود الترفيه إلى فضاءات الابتكار والتربية والجمال. فمع انطلاق مهرجان مسرح العرائس المرتقب أكتوبر المقبل، بأكاديمية الفنون واستضافة القاهرة لأعمال الملتقى العربى لفنون العرائس يناير المقبل،

بالتعاون بين الهيئة العربية للمسرح بالشارقة ووزارة الثقافة المصرية، ستبدو الساحة مهيأة لولادة حركة متطورة تعيد رسم ملامح مستقبل هذا الفن، عبر تلاقى خبرات عربية وعالمية، وتقديم رؤى معاصرة تدمج بين أصالة الحكاية وسحر التقنية الحديثة، إنهما حدثان لا يكتفيان بالاحتفاء بالعرائس على خشبة المسرح، بل يؤسسان لنهضة فنية تنجب جيلا جديدا من المسرحيين والمبدعين الذين يحملون العرائس إلى آفاق أكثر إشراقًا.

أكاديمية الفنون ومهرجان إعادة الاعتبار

فى بادرة مهمة، قررت أكاديمية الفنون برئاسة د. غادة جبارة إقامة أول مهرجان لفن العرائس بأنواعها المختلفة خلال الفترة من 1 إلى 7 أكتوبر المقبل، وأكدت فى كلمتها ضرورة الاهتمام بذلك الفن الراقى الذى يخاطب الروح ولا يشبه إلا ذاته، وأنه فن يعلم الجماد أن ينطق ويمنح الدمية حياة كاملة على خشبة المسرح.

ومن جانبه، أكد د. حسام محسب رئيس المهرجان أهمية الدورة الأولى التأسيسية لإعادة الاعتبار لفن العرائس والاحتفال بهذا النوع من العروض التى تحظى بشعبية كبيرة بين الصغار والكبار معا.

وأوضح د. محمود فؤاد صدقى مدير المهرجان أن الدورة الأولى غير تنافسية وتحمل اسم الفنان التشكيلى جمال الكومى الرائد فى صناعة العرائس والذى شارك فى أكثر من 50 عملا فنيا للمسرح والسينما والتليفزيون وشارك مؤسسا فى أول معرض لفنون العرائس عام 1968 بقصور الثقافة، وأقام جناحا للعرائس المصرية عام 2000 بألمانيا، وصنع بالفعل نموذجا لفرح شعبى حاز إعجاب الحاضرين من مختلف البلدان، كما شارك بأعماله العرائسية فى معارض دولية بباريس وإيطاليا وبلغاريا والتشيك وباكستان وتونس والسودان والسعودية والكويت، واختارت لجنة المشاهدة برئاسة د. فؤاد سلطان 14 عرضا روعى فيه التنوع بين مختلف أشكال العرائس وعدم الاكتفاء بالأعمال التى تخاطب الطفل وحده، لأن فن العرائس يقدم فى كثير من الأحيان عروضا فنية للكبار تتناول أعمالا ملحمية أو ذات طابع أسطورى أو حتى عروضااجتماعية وسياسية، ومن هذه العروض مسرحية البؤساء عن رواية الكاتب الفرنسى فيكتور هوجو برؤية جديدة ساخرة تعتمد فى أجزاء كبيرة منها على فن العرائس وتحريك مجموعات من الممثلين بدون رءوس للتعبير عن تحرك القطيع دون إعمال العقل وهو العرض الذى قُدم من قبل فى المهرجان القومى ضمن عروض الكبار، كما يضم المهرجان عروضا من وزارة التربية والتعليم لمدارس حكومية شارك فيها التلاميذ مع أساتذتهم فى تحريك الدمى وتقديم مسرحيات استعراضية عالية المستوى مثل غابة الحكايات وزى العسل.

كما يشارك بالطبع مسرح القاهرة للعرائس وقطاع الفنون الشعبية وفرق خاصة ولاعبو عرائس منفردون فى عروض استعراضية بالإضافة إلى ندوات وموائد مستديرة وورش تدريب فى مجالات التحريك والإخراج والكتابة والإضاءة والديكور.

والحقيقة أن مجال الكتابة للطفل يحتاج إلى أكثر من ورشة وإلى مشاركة الأكاديميين إلى جانب الكتاب الموهوبين فى هذا المجال لأن مسرح العرائس فى مصر بدأ عام 1959 بعرض من تأليف بيرم التونسى ثم أعقبه عروض عديدة لصلاح جاهين مثل صحصح لما ينجح تلحين محمد فوزى، والليلة الكبيرة وحمار شهاب الدين تلحين سيد مكاوى، وظل كبار الشعراء والموسيقيين يبدعون فى هذا المجال الخصب، ونتصور أن فن الكتابة للطفل خاصة فى مجال العرائس يحتاج إلى خلق كوادر جديدة ذات خيال خصب قادر على المنافسة دون سطحية أو مباشرة أو تقديم النصح التقليدى الذى لم يعد مناسبا فى ظل سطوة التكنولوجيا وتأثيرها على الصغار والكبار معا.

د.غادة جبارة – إسماعيل عبدالله

 

فنون «الدمى» من الحجر إلى الديجيتال

بعد عشر سنوات على استضافة مصر الملتقى العربى لفنون العرائس والدمى والفنون المجاورة فى أكتوبر 2015، ضمن تعاون حيوى ومثمر بين وزارة الثقافة المصرية والهيئة العربية للمسرح، تفتح القاهرة ذراعيها من جديد لاستضافة الدورة الخامسة من الملتقى نفسه خلال الفترة من 20 إلى 22 يناير 2026، بتعاون وشراكة مع مسرح القاهرة للعرائس التابع للبيت الفنى للمسرح.

انطلق الملتقى بمبادرة من الهيئة العربية للمسرح من الشارقة عام 2013 بهدف تفعيل دور فنون العرائس والدمى والفنون المجاورة فى استلهام التراث العربى والعمل على إبراز الجوانب المضيئة من الثقافة الموروثة وتطوير آليات العمل فى فنون العرائس والفرجة الشعبية، وانطلقت دورات الملتقى من الشارقة إلى تونس 2014، ثم مصر تلتها المغرب فى 2017.

وقال الكاتب إسماعيل عبدالله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح: سنفتقد فى هذه الدورة ثلاثة من كبار العرائسيين الذين كرمناهم، شيخ الأراجوز عم صابر المصرى، والمصمم الكبير د. ناجى شاكر، وفنان الحكاية وصندوق العجب الفلسطينى عادل الترتير، ولنا فى شباب الفنانين الذين مازالوا يعملون تفاؤل وأمل كبير، ونرى أنه آن الأوان ليقوم العرائسيون بالخطوات اللازمة لتنظيم مهنتهم، مما يسهم فى تطويرها، لتقف إلى جانب بقية فنون الأداء على قدم المساواة.

يرفع الملتقى هذا العام شعار «من الحجر إلى الديجيتال» بتخصيص عدة فعاليات عربية متنوعة، منها عروض عرائسية من مصر والوطن العربى ضمن آلية تنافسية، على أن يتولى مسرح القاهرة للعرائس اختيار العروض المصرية.

د. ناجي شاكر خلال تصميم إحدى العرائس

 

من جهته قال د. أسامة محمد على مدير مسرح القاهرة للعرائس: تم الاتفاق على أن يتم اختيار ثلاثة عروض عرائسية مصرية، سنراعى فيها الجودة والتنوع وتحقيق عنصر الابتكار والتمثيل الأمثل القادر على المنافسة وتصدير صورة حقيقية لمدرسة العرائس المصرية الممتدة عبر عقود طويلة.

وأعلنت الهيئة أنه سيقع الاختيار على ثلاثة عروض عربية من فنون الدمى، خيال الظل، الحكواتي، وصندوق العجب، على أن يستمر التقدم للملتقى خلال الفترة من بداية أكتوبر إلى بداية نوفمبر 2025، إضافة إلى ورش تدريبية ومعرض للعرائس فى مركز الهناجر للفنون، وسوف تتحرك الفاعليات إلى عدة مواقع لتوسيع قاعدة متابعة الجمهور بين مسرح القاهرة للعرائس، الحديقة الثقافية فى السيدة زينب، مسرح متروبول، وبيت السحيمى.

يرفع الملتقى هذا العام شعارا بحثيا لافتا بعنوان «تكنو عرائس، تكنو فرجة شعبية» سعيا للوصول إلى مشاركات بحثية تستفيد من التقنيات الرقمية فى تطوير العرائس والدمى، والأهم أنه تمت دعوة كافة الباحثين العرب لعدم الاكتفاء بالبحث النظرى، بل ضرورة اقتران البحث بتقديم نماذج عملية، وهو ما يربط النظرية بالإبداع ويؤكد صلاحية التجربة.

 

محمد بهجت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!