دراما وفنون

مناقشة صناعة السينما في ضوء التحديات والفرص

مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة

نُظمت حلقة نقاش ثرية حول “مستقبل صناعة السينما”، في اليوم الرابع من مهرجان الفيلم المتوسطي، أول أمس السبت، شارك فيها نخبة من النقاد السينمائيين والمخرجين والممثلين، الذين أثروا الموعد بأفكارهم الجريئة وتصوراتهم العميقة، عن التحديات والفرص التي تنتظر السينما في العالم المتوسطي، والعربي عمومًا. جاءت هذه المبادرة لتسلط الضوء على واقع السينما في المنطقة، في ظل تحولات متسارعة تشهدها الصناعة عالميًا، من حيث الوسائط والتقنيات وأشكال التلقي، إلى جانب ما يفرضه الواقع الثقافي والاجتماعي من أولويات وأسئلة.

انطلقت النقاشات، بعرض موجز لتجارب سينمائية حديثة، أنتجت في السنوات الأخيرة، حيث اتفق أغلب المتدخلين على وجود حراك فني متزايد، يقابله غياب منظومات داعمة قادرة على احتضان هذه الطاقات، وتحويلها إلى مشاريع مؤثرة وقادرة على المنافسة دوليًا. وأشار البعض، إلى أن التحدي لم يعد فقط في إنتاج الأفلام، بل في قدرتها على الوصول إلى الجمهور، في ظل هيمنة المنصات الرقمية وتراجع الإقبال على قاعات السينما، خاصة في دول الجنوب.

أكد عدد من المخرجين المشاركين أيضا، أن خلق بيئة سينمائية حقيقية، يبدأ من وجود سياسات دعم واضحة ومستقرة، تُمكن صناع السينما من تطوير مشاريعهم، دون أن يكونوا تحت رحمة التمويل الخارجي أو قرارات ارتجالية. كما شددوا على أهمية إعادة النظر في البنية التحتية للسينما، من قاعات العرض ومراكز التكوين، إلى آليات التوزيع التي لا تزال تقليدية وغير فعالة، ما يحد من عمر الفيلم في السوق، وقدرته على التأثير.

النقاد الحاضرون، سلطوا الضوء على مسألة التكوين والاحترافية، معتبرين أن غياب معاهد مختصة أو برامج أكاديمية محدثة، يساهم في تكرار نفس الأخطاء وضعف جودة بعض الأعمال. وأكدوا أن التكوين يجب أن لا يقتصر على التقنيات، بل يجب أن يشمل أيضًا تكوينًا فكريًا وثقافيًا، يُمكن السينمائي من فهم واقعه والتعبير عنه بأساليب فنية راقية. كما عبر بعض المشاركين عن قلقهم من تراجع النقد السينمائي الجاد، وغياب منصات محترفة، تمنح النقد مكانته في توجيه الذوق العام، وتقييم الإنتاجات بعيدا عن المجاملات والتسويق.

الحوار انتقل بعد ذلك، إلى مسألة التمثيل، حيث دافعت بعض المخرجات والممثلات عن ضرورة إعطاء المرأة مكانة فعلية داخل الصناعة، ليس فقط كمؤدية لأدوار تقليدية، بل كمبدعة تمتلك رؤيتها الخاصة للعالم، قادرة على الإخراج وكتابة السيناريو والإنتاج، وهو ما من شأنه أن يثري المشهد السينمائي، ويوسع من زوايا المعالجة، ويفتح أفقًا سرديًا جديدًا.

من جهة أخرى، تم التطرق إلى أهمية التعاون الإقليمي بين بلدان المتوسط، خاصة تلك التي تتقاسم تاريخًا ثقافيًا مشتركًا، وتواجه تحديات مماثلة. ودعا الحاضرون إلى ضرورة إنشاء صناديق تمويل مشترك، ومنصات إنتاج وتوزيع تعاونية، تكون بديلاً عن الاعتماد المفرط على الشراكات مع الشمال، التي كثيرًا ما تأتي مشروطة أو موجهة. وأبدى المشاركون اهتمامًا كبيرًا بمسألة سرد القصص المحلية بروح كونية، حيث اعتبروا أن خصوصية الهوية ليست عائقًا أمام العالمية، بل هي بوابة لها، عندما تُقدم ضمن رؤية إنسانية شاملة.

انتهت الجلسة بمجموعة من التوصيات العملية، تمثلت في ضرورة إطلاق مبادرات لتكوين الشباب، وفتح المجال أمام تجارب جديدة لا تُقاس فقط بالخبرة، بل بالرؤية والجرأة، إلى جانب أهمية دعم المهرجانات السينمائية، باعتبارها فضاءات لتبادل الخبرات والترويج للأعمال. كما تم اقتراح إنشاء منصة دائمة للنقاش السينمائي ضمن فعاليات المهرجان، تضمن استمرارية التفكير في مستقبل الصناعة السينمائية، بعيدًا عن الطابع الاحتفالي المؤقت.

لقد كانت حلقة النقاش هذه، أكثر من مجرد جلسة فكرية، لقد مثلت لحظة وعي جماعي بضرورة الانتقال من التشخيص إلى الفعل، ومن التمني إلى التخطيط، لصناعة سينما متوسطية جادة، تعبر عن واقعها بصدق، وتراهن على الجمال والفكر، وتطمح إلى الحضور بقوة في المشهد السينمائي العالمي، دون أن تفقد روحها.

 

 

سميرة عوام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!