المسرح الرقمي… عروض تتجاوز حدود الخشبة لتخلق عوالم افتراضية تنبض بالحياة
أولياء لـ«الشرق الأوسط»: مسارح المستقبل ستكون أشبه بمركبة فضاء

هل ستكون مسارح المستقبل أشبه بالمركبات الفضائية؟ سؤال يفتح الباب أمام تحوّلٍ عميق في مفهوم الفن الحيّ، مع صعود المسرح الرقمي الذي يعيد رسم العلاقة بين الإنسان والتقنية، فبينما تتقدّم أدوات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وتقنيات الهولوغرام، تتجاوز العروض حدود الخشبة لتخلق عوالم افتراضية تنبض بالحياة، تُستعاد فيها الشخصيات والمشاهد التاريخية بروحٍ جديدة، تمزج بين الخيال والإبداع والتكنولوجيا.
يرى الدكتور عبد العزيز أولياء، عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، أن الرقمنة أعادت تعريف مفهوم العرض المسرحي، حيث انتقل من «الخشبة التقليدية» إلى فضاءات رقمية تفاعلية تتيح اندماج الفن بالتقنية، وتوسع من نطاق المشاركة الجماهيرية.
ويعتقد الدكتور عبد العزيز، وهو مؤلف ومخرج مسرحي، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» بأن الذكاء الاصطناعي التفاعلي سيصبح شريكاً في الحوار على المسرح، مدعوماً بأنظمة التوأم الرقمي لإدارة العروض بذكاء، وتحليلات البيانات لفهم تفاعل الجمهور لحظياً وتحسين التجربة.
وأَضاف: «مسارح المستقبل ستكون أشبه بمركبة فضاء، حيث ستعتمد على منظومة متكاملة من التقنيات، ستدمج تقنيات الواقع الممتد التي تخلط بين الافتراضي والمعزز، إلى جانب تقنيات الهولوغرام لإحياء الشخصيات أو المشاهد التاريخية أمامنا».
وفي دراسة حديثه أعدها الدكتور أولياء بعنوان «استخدام الرقمنة في إنتاج الأعمال المسرحية – دراسة استكشافية لرؤية خبراء المسرح والرقمنة بالمملكة العربية السعودية»، حث على تأسيس مختبر للمسرح الرقمي في جامعة الملك سعود؛ وذلك للإسهام بتعزيز التكامل بين المؤسسات الأكاديمية والهيئات الثقافية في المملكة.

وكشفت الدراسة التي ارتكزت على مقابلات معمقة مع 19 خبيراً من الأكاديميين والممارسين في مجالات المسرح والتقنية، عن وجود فجوات في البنية التحتية التعليمية والتقنية، تستدعي تطوير برامج أكاديمية متخصصة ودعم التدريب المستمر للعاملين في الحقل المسرحي.
ووفقاً للدكتور أولياء، أصبح الجمهور السعودي أكثر تقبلاً للتجارب المسرحية الرقمية؛ ما يعكس وعياً ثقافياً متنامياً بضرورة دمج التكنولوجيا في الفنون.
وتابع: «الرقمنة تمثل تحولاً فلسفياً وجمالياً في بنية المسرح السعودي، يتجاوز المفهوم التقليدي للأداء نحو رؤية جديدة تستند إلى ما بعد الدراما، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً إبداعياً يُعيد صياغة العلاقة بين الفنان والتقنية والجمهور».
المسرح الرقمي في السعودية
وصف الدكتور عبد العزيز المسرح الرقمي في السعودية بأنه وُلد حديثاً، وما زال يخطو خطواته الأولى ويستكشف طريقه. وقال: «شهدنا بعض التجارب المتناثرة، خاصة أثناء جائحة كورونا، حيث اضطررنا جميعاً إلى التفكير خارج الصندوق، لكنني أرى أننا الآن على أعتاب مرحلة أكثر نضجاً، حيث بدأت الجامعات ووزارة الثقافة تلتفت بجدية إلى هذا المجال؛ انسجاماً مع التحول الرقمي الشامل الذي تشهده بلادنا ضمن (رؤية السعودية 2030)».
تحديات عدة
تواجه المسرح الرقمي في السعودية تحديات عدة مترابطة – حسب الدكتور أولياء – فمن الناحية التقنية، نلاحظ أن بعض مسارحنا تحتاج إلى تطوير بنيتها التحتية، كما أننا في حاجة ماسة إلى تطوير كفاءاتنا في تقنيات مثل الواقع المعزز والبرمجة المسرحية.
وأضاف: «نواجه ندرة في المقررات الأكاديمية المتخصصة في المسرح الرقمي داخل جامعاتنا إذا أردنا تأسيس جيل جديد، وهناك أيضاً تحدٍ تنظيمي وتمويلي، حيث يحتاج هذا المجال إلى دعم مؤسسي واضح وطويل الأمد ليدخل ضمن البرامج المسرحية الوطنية».
خفض التكاليف
أوضح الدكتور أولياء أن المسرح الرقمي يركز على الاستثمار في عالم البرمجيات، وإنتاج الفيديو ثلاثي الأبعاد، والتقنيات التفاعلية، وذلك على حساب الديكور المادي أو تركيب الإضاءة التقليدية، مبيناً أن «هذا النوع من المسرح يمكنه خفض التكاليف الإجمالية بنسبة ما بين 30 و50 في المائة شرط أن نحسن استخدام التكنولوجيا ونستثمرها بشكل ذكي.».
جائحة كورونا محفّزاً
يقول عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود إن جائحة كورونا كانت محفزاً غير متوقع. وأردف: «لاحظنا تحول كثير من الفرق المسرحية، خاصة الجامعية والمستقلة، لتقديم عروضها عبر الإنترنت، دراستنا أظهرت أن هذه الفترة، رغم قسوتها، أعادت تعريف مفهوم (الحضور) في المسرح، حيث أصبح الجمهور يتفاعل من بيته، ويمكنني القول إن الجائحة كانت الدافع الذي دفعنا جميعاً للتفكير بجدية في هذا الشكل الجديد».

تكامل لا صراع
يرى الدكتور عبد العزيز أهمية الانتقال من فكرة الصراع إلى فكرة الاندماج والتكامل، ليس في المسرح فحسب بل في الفنون المتعددة قاطبة، مشيراً إلى أن «الأساليب الرقمية ليست عدوة للفن، بل هي أداة جديدة في يد الفنان».
وتابع: «المسرح الذي تطور عبر التاريخ، يدخل حالياً عصراً جديداً من الفن التشاركي، حيث يكمل الإنسان والآلة بعضهما بعضاً لخلق تجربة فنية أعمق، هذا هو جوهر ما نؤمن به ونسعى إليه».
وفي الختام، شدد على أن «المسرح الرقمي لا يخلق عروضاً فقط، بل يخلق وظائف لم نكن نحلم بها من قبل، فهو يفتح الباب أمام مستقبل مهني جديد، لا يقتصر على الممثل والمخرج التقليديين، بل يمتد ليشمل مصممي المؤثرات البصرية الرقمية، ومبرمجي العروض التفاعلية، ومحللي بيانات لقياس تفاعل الجمهور، بالإضافة إلى المخرج الرقمي ومختصي الذكاء الاصطناعي الإبداعي، هذه الوظائف هي مستقبل الصناعة الإبداعية في المملكة، وهي تتماشى مع توجهات (رؤية السعودية 2030) في بناء اقتصاد قائم على الإبداع والمعرفة».
عبدالهادي حبيتور