دراما وفنون

عاكف نجم: نهضة الدراما الأردنية تبدأ بإيمان ودعم حقيقيين

يؤكد الفنان الأردني القدير عاكف نجم، أن الدراما الأردنية تمرّ اليوم بمرحلة شبه توقف، في ظل غياب الدعم والإستراتيجية الواضحة القادرة على إنعاشها، مشيرا إلى أن ما يُنتج حاليًا لا يتجاوز محاولات فردية أو أعمالًا محدودة.

ويقول نجم: ليست هذه الدراما الأردنية التي نطمح إليها. كنا في السابق ننافس كماً وكيفاً، وكان لدينا حضور واسع في المحطات العربية، أما اليوم فمن النادر أن نجد عملًا أردنيًا يُعرض على شاشة عربية. السبب الرئيس هو غياب الإيمان الحقيقي بأن الدراما هي واجهة البلد، تعكس فكره وثقافته وتسوّقه سياسيًا وسياحيًا وحضاريًا. وعليه فإن نهضة الدراما الأردنية تبدأ بإيمان ودعم حقيقيين.

ويشير نجم إلى محدودية السوق المحلي قائلا: في الأردن عدد المحطات التلفزيونية قليل، وهذا ينعكس سلبًا على سوق الدراما. نحتاج إلى فتح قنوات حوار وتعاون مع الفضائيات العربية ومنصات البث الحديثة لتسويق أعمالنا. لكن قبل ذلك، يجب أن يتحمل القطاعان الرسمي والخاص مسؤولية تطوير سوية الإنتاج شكلاً ومضمونًا، ليكون قادرًا على المنافسة والانتشار. 

ويرى نجم أن غياب الهوية الأردنية في الأعمال الأخيرة بات ملموسًا، موضحًا: منذ نحو عقد من الزمن لم نعد نرى دراما تعبّر عن واقعنا وقضايانا. باستثناء الدراما البدوية، نفتقر إلى أعمال تتناول المجتمع الأردني في الريف والبادية والمدينة، حيث تزخر حكايات الناس وواقعهم بالقصص الإنسانية الغنية والمضامين الفكرية والترفيهية، القادرة على الترويج للأردن سياحيًا وثقافيًا والتعبير عن رؤيته السياسية والحضارية. فالدراما، برأيي، هي أداة الأمن الناعم التي تخاطب العقول والقلوب وتحدث التنوير الحقيقي.

ويضيف بأن المسألة تحتاج إلى قرار سياسي وإيمان جمعي بسمو الهدف، لأن الدراما ليست ترفا، بل وسيلة ثقافية وحضارية تسهم في بناء الوعي الجمعي وتعزيز القيم الإيجابية.

ويتحدث نجم عن دور الفنان قائلاً: الفنان ليس مجرد شخص يبحث عن لقمة العيش عبر فنه، بل صاحب رسالة تنويرية يسهم في تهذيب الوجدان وبناء الوعي وترسيخ القيم الأخلاقية والإصلاحية. لا يجوز اختزال الفنان في الجانب المادي فقط، لأن دوره أكبر وأعمق من ذلك.

أما عن دور نقابة الفنانين الأردنيين، فيقول: النقابة قامت بدور كبير على مستوى الرعاية والإدارة، وسعت بقيادة نقيبها وأعضاء المجلس إلى التواصل مع أصحاب القرار لوضع استراتيجية حقيقية للنهوض بالدراما والفنون. نجحنا في بعض الجوانب وأخفقنا في أخرى، لكننا سنواصل الطريق حتى تعود الدراما الأردنية إلى ألقها، لا أن نقف كل عام نستجدي إنتاجًا هنا وهناك.

ويلفت نجم إلى أهمية التنويع في الإنتاج، فبحسبه، لا يجوز أن نحصر أنفسنا في الدراما البدوية رغم أهميتها وجمالها. نحن بحاجة إلى دراما اجتماعية ومدنية وقروية تتكامل فيما بينها لتقدّم صورة شاملة عن المجتمع الأردني. هذا يتطلب من التلفزيون الأردني أن يستعيد دوره كمظلة حقيقية للإنتاج المحلي، وأن تُخصّص له الميزانيات اللازمة.

ويشير إلى وجود بوادر إيجابية قائلاً: الحكومة بدأت تتفهم أهمية الدراما، وهناك خطوات عملية جرى الاتفاق عليها مؤخرًا مع رئيس الوزراء لتخصيص ميزانيات مستقلة لدعم الإنتاج الدرامي، وهذا يمنحنا الأمل بمرحلة جديدة قادمة.

وحول غياب شركات الإنتاج الكبرى، يقول نجم: رأس المال غائب عن الدراما الأردنية، ولا ألومه في ذلك، لأن عقلية الإنتاج الخاص تجارية بحتة تبحث عن الربح. لذلك لا بد من وجود استراتيجية وطنية تحدد أدوار المؤسسات وآليات الدعم، وتمنح المنتجين ضمانات تسويقية وتشريعية تشجعهم على الاستثمار في هذا القطاع.

ويلفت نجم إلى ضرورة منح الجيل الجديد من الممثلين والمبدعين فرصتهم الكاملة، فهم طاقة واعدة قادرة على تجديد الدراما الأردنية وإطلاقها نحو آفاق أوسع، بدلاً من أن نحتكر المشهد نحن أبناء الجيل السابق.

ويؤكد نجم أن الأردن يمتلك طاقات بشرية مبدعة في مختلف مجالات الصناعة الدرامية من إخراج وتمثيل وتصوير وإنتاج، مشددا على أهمية التعاون مع رابطة الكتاب الأردنيين لتحويل الروايات المحلية إلى أعمال تلفزيونية تحمل عمقًا فكريًا وإنسانيًا.

ويختم حديثه قائلاً: المشكلة ليست في المواهب، بل في رأس المال الخائف من المغامرة. حين تمنح الدولة الضمانات الكافية، سيجرؤ رأس المال على الاستثمار في الدراما الأردنية، وسنراها مجددًا على الشاشات العربية. أنا متفائل بأن هذا اليوم قادم لا محالة.

ويضيف: نقابتنا هي بيت الجميع، وعلينا كفنانين أن نلتف حولها بعيدًا عن الحسابات الانتخابية، وأن ندعمها لتكون صوتنا الموحد في الحوار مع المؤسسات الرسمية. هدفنا الأسمى هو تمكين الشباب وخلق حراك حقيقي بينهم، ليقودوا المشهد الدرامي الأردني بهوية وطنية أصيلة، ونحن جيلنا سنكون إلى جانبهم، لا في مواجهتهم، مشيرًا إلى أنه بصدد التحضير لفيلم أردني ملحمي، معبّرا عن تفاؤله بما هو قادم.

أحمد الشوابكة alghad

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!