أخبار مسرحية

“خدر” بحث فلسفي حركي في جدلية الانكسار والنهوض

تصميم حركي مكثف وأداء جسّد مراحل التبلد الشعوري والبحث عن خلاص من هشاشة العوز النفسي.

تقدم الفنانة رهف الجابر في عرضها الحركي الجديد بعنوان “خدر” في القاعة متعددة الاستعمالات في دار الأوبرا بدمشق، تجربة جسدية وبصرية حملت مزيجا من التعبير الداخلي والبحث الفلسفي في جدلية الانكسار والنهوض، عبر تصميم حركي مكثف وأداء جسدي قائم على الرمز والكتلة.

العمل الفني أداء كل من: علي فطوم، عليا السعدي، غفران حمادة، تيما الغفير، رهف الجابر، علي خزامي، دراماتورجيا: كمال بشير، سينوغرافيا: كنان جود، إشراف الديكور: محمد كامل، تنفيذ الديكور: لؤي مزيان عمار قادري، تنفيذ الصوت: فارس الزراد، وجد نجار، فيديو ومونتاج: أسامة عبود، تصوير ومادة توثيقية: رامي حسين، تصميم البوستر والبروشور: مادلين الجلحوم.

استند العرض الذي يمتد على نحو 30 دقيقة، إلى فضاء بصري مركزي شكّل محور الحركة والدراما، تمثل في كتلة حديدية مؤلفة من حلقتين متقاطعتين، بينهما دائرتان خشبيتان مثقوبتان من المنتصف، لتكوّن ثلاثة مستويات تفاعلت معها وعبرها الأجساد المؤدية بحركة دائرية متبادلة عبر الحبال التي تحمل الكتلة، في انسجام مع الضوء والموسيقى، ليصبح المشهد ذاته كائناً متحركاً نابضاً بالتوتر والانسياب في آن واحد.

في العرض 6 مؤدين (3 نساء و3 رجال) تنقلوا بين المستويات الثلاثة في تنويعات جسدية ومشهدية متتابعة، عبّرت عن الصراع الإنساني بين الرغبة في التحرر والمواظبة على الاستمرار، مستلهمةً فكرة العرض التي تقولها المخرجة في كتيب العمل: “نحن محكومون بالمواظبة أملاً ببصيص ضوء نتلمسه في غباش الأفق خلف ضجيج الحرب وغبار الذاكرة”.

اتخذت بنية العرض من الخدر حالةً مجازيةً تجمع بين السكون الداخلي والرغبة في اليقظة، فالأداء الحركي جسّد مراحل التبلد الشعوري والبحث عن خلاص من هشاشة العوز النفسي، كما ورد في نص الجابر: “تراكم العوز يؤدي إلى الهشاشة، وفي سبيل الهروب منها نحاول تبني أفكار جديدة تمنحنا شيئاً من القوة”.

وخلق تكرار الحركات وتبادل الأدوار بين المؤدين إحساسا بالدائرة الزمنية المغلقة التي تحاول الأجساد كسرها بالوثب أو التعلق بالحبال، فيما يشبه محاولة لاستعادة الاتزان بعد كل سقوط.

اعتمدت الجابر على تصميم إضاءة مدروس لمحمد نور درا، جاء متدرجا بين العتمة الكثيفة والومضات الخافتة بما عكس حالات التوتر والانكشاف، بينما أسهم التأليف الموسيقي لـ علي سليمان في تعميق الإحساس الداخلي للمشهد بحواره مع الحركة.

وبدا العمل في مجمله كرحلة تأمل في الجسد بوصفه أداة للبوح وكشفاً لطبقات الشعور المكبوت، حيث تتحول الحركة إلى وسيلة “لاختراق الحُجب التي تفرضها رتابة الزمن” كما تقول المخرجة، لتترك للجمهور حرية التأويل والانخراط في لعبة المعنى.

“خدر” بهذا المعنى لا يقدّم حكاية بقدر ما يرسم خريطة وجدانية لمراحل التعب والإصرار، ويحتفي بالمحاولة الدائمة للنهوض مهما تكررت الخيبات.

ورهف الجابر فنانة مسرحية وراقصة سورية تُعد واحدة من أبرز الأسماء الشابة في مجال فنون المسرح الراقص المعاصر. نشأت في دمشق، وبدأت مسيرتها الفنية في مجال الرقص والمسرح التجريبي، حيث سعت إلى توظيف الجسد كوسيلة للتعبير الفني والإنساني بعيدًا عن القوالب التقليدية للمسرح. اهتمت من خلال أعمالها بتجسيد آثار الحرب والذاكرة على الإنسان السوري، مركّزة على ما يختزنه الجسد من مشاعر الألم والصمود في مواجهة التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد.

صحيفة العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!